عاجل:

كيف يخرّب لبنانيون يوميًا "الوطن النهائي لجميع أبنائه"! (آراء حرة)

  • ٣٢

بقلم البروفسور أنطوان مسرّه عضو المجلس الدستوري 2009-2019

آراء – حرة "إيست نيوز"

- في اجتماعات ولقاءات وندوات ومداولات وسجالات في أعلى القمم المؤسساتية نعيش ذهنية لبنانية تتطلب معالجة في الثقافة الدستورية والسياسية وعلم النفس اللبناني التاريخي والعيادي. 

 ما معنى "وطن نهائي لجميع أبنائه" في مقدمة الدستور والتي تعتبر انجازًا بالغ الأهمية في دستور 1990؟ انها تعني، بعد حروب متعددة الجنسيات في لبنان في السنوات 1975-1990 بعد اتفاقية قاهرة سنة 1969 وتداعياتها، ثم اتفاقية قاهرة متجددة في 6/2/2006 وكوارثها، إن لبنان في جغرافيته وبنيته السكانية وانتمائه العربي ومنظومته الدستورية أيضًا هو نهائي. كل ذلك هو ثمرة اختبار تاريخي ومعاناة وذاكرة مشتركة.

 1. هل الشعب اللبناني مراهق سياسيًا؟ الحاجة إلى التوقف حول "نهائية الوطن" في ما يتعلق بالدستور 

وما يوصف بـ "ثغرات" في الدستور واقتراح "تعديلات" مشبوهة أو نابعة عن حسن نيّة في الدستور. الدستور هو الأساس والتأسيس، كما في الهندسة المعمارية. هل اللبنانيون شعب مراهق لم يتعلم ولا يتعلم ولن يتعلم ولم يبلغ، بعد الاختبار والكوارث والمعاناة، سن الرشد الدستوري، بل يعود بشكل مستدام إلى طروحات "النظام". وماذا يعني الخطاب السائد حول "بالنظام"؟ هل النص الدستوري؟ أم الممارسة؟ أم خطاب السوق؟ 

 ان الدستور اللبناني، في النص ومن منظور عالمي ومقارن في عالم اليوم، هو من أرقى الدساتير عالميًا في كل ما يتعلق بالإدارة الديمقراطية للتعددية الدينية والثقافية ومقارنة مع أكثر من ثلاثين دستور عالميًا: 

سويسرا، النمسا، بلجيكا، جزر فيدجي، جزيرة موريس، افريقيا الجنوبية، غانا، ايرلندا الشمالية...

 قد يقول البعض، اجترارًا لنمطية ذهنية، أن هذا دفاع عن "الصيغة"! لا دفاع ولا تبرير ولا رأي ولا موقف! الموضوع هو ثمرة اختبار! تتمتع البنية الدستورية اللبنانية بمناعة قصوى لا مثيل لها عالميًا. طوال أكثر من 15 سنة تم زرع كل جغرافية لبنان بمتاريس ومعابر في سياق استراتيجية صهيونية تفصيلية وتطبيقية في مراسلات بين موشي شاريت وبي غوريون في سبيل انفصام العلاقات بين الطوائف. ثم اعتمدت استراتيجية الدولة الرديفة وعقيدة طغيان أكثرية أو أقلية منذ اتفاقية قاهرة متجددة في 6/2/2006.

 2. لبنان الدستوري ومناعته القصوى اختباريًا؟ هل لبنان عصي عن التغيير؟ إنه عصي عن التغيير في كيانيته "كوطن نهائي لجميع أبنائه". لكنه بحاجة قصوى إلى تغيير، ليس اطلاقًا في دستوره وكامل بنود الدستور، بل في الثقافة الدستورية والسياسية والذاكرة والعقلانية البرغماتية استنادًا إلى كل الآباء المؤسسين وقيم لبنان التأسيسية.

 3. استعادة "الكتاب": ان المهمة الأبرز في عهد استعادة الدولة في لبنان وانتخاب "رئيس دولة" (المادة 45)، وتشكيل حكومة طبيعية "إجرائية" (الفصل الرابع من الدستور) وليس برلمانًا مصغرًا، هو العمل على حمل "الكتاب"، أي الدستور، وترسيخ شرعية الكيان الدستوري اللبناني légitimité التي تتميّز عن القانونية في الادراك الجماعي اللبناني. لا انجراف في ما يوصف "بتفسير" الدستور، ولا بمخادعات "ميثاقية" تعبّر عن جهل لمضمون الميثاق في وثائق تاريخية في آلاف الصفحات، ولا في مخادعات في الثلث والتعطيل والحجم والأحجام والحصص و"حقوق طوائف"...

 4. ماذا يحترم اللبنانيون؟ إنه مسار دستوري في العودة إلى "سمو الدستور". هل يعقل أن يطالب رئيس دولة يحلف اليمين الدستورية "بتفسير" الدستور! يعني ذلك وجوب خضوعه، قبل حلفه اليمين الدستورية، إلى لجنة فاحصة للتأكد من ادراكه لمضمون حلف اليمين! 

*

انه مسار ثقافي بشكل خاص والأساس في سبيل الاستقرار واستعادة الثقة. إذا استمر لبنانيون في اجترار مقولات "تفسير" الدستور، وسجالات حول "النظام"، فإنه من الأرجح أن الشعب السوري سيعتمد دستورًا جديدًا في حين يستمر لبنانيون في بحثهم في الدستور و"تفسيره" "وثغراته" وتعديلاته!

 تكمن الأمثلة الإيجابية الأبرز في سويسرا وايرلندا الشمالية وأفريقيا الجنوبية. اعتمدت هذه البلدان صيغًا دستورية بعد فترات تاريخية ومعاناة ثم انتهى الجدال وتجذّر ما يصفه ادمون رباط "بالتعهدات الوطنية" في الادراك الجماعي لدى شعوب بلغت سن الرشد.

المنشورات ذات الصلة