وصل لبنان إلى مفترق طرق حيث على السلطة التنفيذية أن تحدد موقفها بوضوح لا لبس فيه من أي طريق ستختاره كي تواجه أخطر الأزمات منذ انطلاق العهد الجديد رئاسة وحكومة؟ لم يكن لهذا السؤال من مبرر لولا تصاعد وتيرة الضربات الإسرائيلية الخميس الماضي على الضاحية الجنوبية لبيروت للمرة الأولى منذ توقيع وقف إطلاق النار في 27 تشرين الثاني الماضي. وترافق مع هذا التصعيد طرح مصير «اليونيفيل» لجهة بقائها أو عدمه عندما تنقضي ولايتها نهاية آب المقبل.
وتعتبر أوساط دبلوماسية لـ «نداء الوطن» أنه آن الأوان لكي يتخذ رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة الموقف الذي لم يتخذاه بعد ألا وهو طرح مسألة تسليم «حزب الله» سلاحه وتفكيك بنيته العسكرية كشرط لانفتاح الأفق أمام تلقي لبنان المساعدات التي تكفل له الشروع في عملية إعادة الإعمار وإطلاق عجلة النهوض المتوقفة حالياً.
ومما قالته الأوساط أيضاً: «يجب أن نعترف بحقيقة حرجة. فبعد أكثر من ستة أشهر على اتفاق وقف إطلاق النار، أصبح من الواضح أن كلاً من السلطات اللبنانية (رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء) و«حزب الله» ما زالوا يراوحون مكانهم. فعلى الرغم من الزيارات الدولية العديدة التي قام بها الرئيس جوزاف عون والوفود الأجنبية التي تزور لبنان، لم تصل أية مساعدات».
أضافت: «القضايا الرئيسية أمام لبنان حالياً هي:
1. موقف «حزب الله»: لا يزال يرفض الإعلان عن أي نية لنزع سلاحه أو تفكيك بنيته التحتية العسكرية.
2. السلطات: لم تتخذ زمام المبادرة للتصدي لوجود أسلحة خارج سيطرة الدولة.
ونتيجة لذلك، لا يزال لبنان يدور في حلقة مفرغة وهو عرضة للهجمات الإسرائيلية، غير مستقر سياسياً وراكد اقتصادياً، بدون استثمار حقيقي أو ازدهار».
وبدلاً من تقديم الحلول، يؤخر «حزب الله» التقدم. ليس لدى السلطات القدرة على عكس الأحداث الجارية أو تحدي التحولات الإقليمية الأوسع نطاقاً. تقاعسها عن العمل، أو سلبيتها المحسوبة، تضر الآن بالبلاد».
وتطرقت الأوساط الدبلوماسية إلى ما يطرح بشأن قوة الأمم المتحدة الموقتة في لبنان، فأشارت إلى أن رئيس مجلس النواب نبيه بري شدد سابقاً على أن لبنان بحاجة لـ «اليونيفيل» لسببين: اقتصادي، ومنع الاحتكاك المباشر مع إسرائيل تجنباً لحرب جديدة. والسؤال: لماذا استمرار استفزاز «حزب الله» لهذه القوات؟ ويقول «الحزب» في الوقت نفسه: نثق بالجيش الذي لا يتهمنا ولا نثق بـ «اليونيفيل» لأنها تتهمنا، ما يعني أنه لا يزال لدى «حزب الله» سلاح يريد إخفاءه ما يسقط كل مقولة خلو منطقة جنوب الليطاني من السلاح.
وتساءلت الأوساط هل هناك خلاف بين «حزب الله» وبري؟ وهل ستكون النتيجة دعوة إسرائيل إلى التحرك من خلال إضعاف «اليونيفيل؟»
وخلصت الأوساط الدبلوماسية إلى «أن هناك غياباً واضحاً للقيادة الحاسمة ذات الرؤية على مستوى رئاستي الجمهورية والحكومة ما يجعل الشعب اللبناني يدفع الثمن سياسياً واقتصادياً وأمنياً». وأعادت التذكير بكتاب «القيادة»، وهو آخر عمل منجز لوزير الخارجية الأميركية الأسبق هنري كيسنجر قبل وفاته العام الماضي. فالقيادة الاستثنائية، بمعتقده، تتطلب إما رجل دولة أو صاحب رؤية. ورجل الدولة «مهمته التلاعب بالظروف بدلاً من تركها تتلاعب به مع ضمان احتفاظ مجتمعه بإحساسه الأساسي بنفسه من خلال التطورات التي يشجع على إحداثها داخله». ومصادر أخرى أبدت خيبة أملها، ففي رأيها إنه زمن التحولات الكبرى ويبدو أن رئيس سوريا التقط الفرصة التاريخية بينما العهد والحكومة يمارسان حتى الآن السياسة اللبنانية التقليدية في ظرف غير تقليدي واعتيادي أبداً. وتخوفت أن ينطبق على المسؤولين ما قاله تشرشل لرئيس الحكومة البريطانية تشامبرلين «لقد خُيِّرت بين العار والحرب، لقد اخترت العار وستحصل على الحرب»، وفي الموضوع اللبناني سيُقال «بين المواجهة والمهادنة اخترتم المهادنة وستحصلون على المواجهة».