عاجل:

اجتماع سلام مع "اتحاد النقل": "ترقيعة" تستنسخ تجارب الماضي والمواطن يدفع الثمن (آراء حرة)

  • ٢٦

بقلم: عصام شلهوب 

آراء حرة- "ايست نيوز" 

على وقع تفجّر غضب الشارع بسبب الضرائب المفروضة على المحروقات، خُيّل للبعض أن لبنان يقف على أعتاب تحوّل جديد مع وصول رئيس الحكومة نواف سلام، القاضي الأممي سابقًا، إلى السراي. رجل القانون والدستور، الذي بشّرت به بعض الأوساط كوجه مختلف عن سابقيه، بدا اليوم ــ للأسف ــ وكأنه دخل نادي “مديري الانهيار” لا نادي المصلحين.

ففي اجتماع عُقد في السراي الكبير مع اتحادات النقل والاتحاد العمالي العام، وبمشاركة وزير العمل وبحضور وزيري المال والداخلية ياسين جابر وأحمد الحاج ، خرج الاجتماع بتسوية عاجلة لاحتواء تحرك شعبي كان سيُنظَّم الخميس، احتجاجًا على الضريبة على المحروقات، وسط غضبٍ متصاعد من تآكل الرواتب وغياب أي خطة إنقاذ شاملة.

لكن بدل أن يحمل الاجتماع ملامح عدالة اجتماعية أو إصلاح هيكلي، جاء الاتفاق ليؤكد أن منطق “المعالجات الانتقائية والترضيات الفئوية” لا يزال يحكم عقل الدولة… ولو تغيّر رأس الحكومة.

بموجب الاتفاق، حصل قطاع النقل على خيارين واضحين:

 • إما دعم مباشر للمحروقات عبر تزويده بصفائح بنزين ومازوت مدعومة،

 • أو إعفاؤه من الرسوم المفروضة حديثًا على المحروقات.

بالمقابل، لم يُطرح أي تصور لدعم عموم المواطنين، ولا لخطة عادلة تُعيد التوازن بين الضرائب غير المباشرة (مثل الضريبة على المحروقات) وأجور اللبنانيين المنهارة.

ما الرسالة هنا؟ ببساطة: من يصرخ أكثر، ومن يملك غطاءً سياسيًا، يحصل على حصته من “الدولة”. أما الباقون، فليصمتوا.

العارفون ببنية السلطة يدركون أن اتحاد النقل البري بقيادة بسام طليس لا يتحرك في فراغ، بل هو امتداد عضوي لحركة أمل، أي لشريك مركزي في التركيبة الحاكمة. من هنا، فإن “الاتفاق” مع هذا الاتحاد لم يكن إلا نوعًا من المقايضة المضمونة: تهدئة الشارع مقابل مكاسب قطاعية.

السؤال الصادم هنا: هل الدولة اللبنانية تُدار بمنطق القانون والمصلحة العامة، أم بمنطق توزيع الغنائم على من يملك مفاتيح التهديد والضغط؟

وإذا كان نواف سلام، بصفته قاضيًا دوليًا سابقًا، قد دخل معترك الحكم من بوابة التغيير والشفافية، فماذا يعني أن يبدأ عهده بتكريس نفس الأدوات التي أسقطت أسلافه؟

لم نسمع في البيان الختامي للاجتماع أي إشارة إلى تعديل شامل للسياسة الضريبية، أو تصور متكامل لتحسين الأجور، أو حتى جدول زمني لإصلاح النقل العام الذي بات أقرب إلى فوضى منظمة.

بالمقابل، كان التركيز على قمع “التوك توك” واللوحات المزورة والسائقين غير اللبنانيين، وكأن الحكومة لا ترى من الأزمة إلا وجهها الأمني ـ الاجتماعي، لا جذورها الاقتصادية والسياسية.

بأي منطق يُستثنى آلاف المواطنين من الدعم، وتُكافأ فئة واحدة لمجرد أنها قادرة على شلّ الطرق؟

الخطير في ما جرى اليوم أنه لم يكن مجرد “اتفاق فني”، بل إعلان ضمني بأن منطق الدولة لا يزال غائبًا. فالدولة ليست حَكمًا نزيهًا بين الأطراف، بل مجرد منصة لتوزيع الترضيات على أصحاب النفوذ.

الأسوأ أن هذه التسوية ستُقدَّم للرأي العام بوصفها “انتصارًا للحوار الاجتماعي”، في حين أنها لا تعدو كونها هدنة بين أطراف النظام نفسه.

أما المواطن الذي يدفع الضريبة ذاتها، ويعاني من الانهيار ذاته، دون نقابة ولا غطاء حزبي، فهو خارج المعادلة.

يُفترض أن نواف سلام دخل الحكم على قاعدة الاختلاف: خلفيته القضائية، خطابه المدني، نظافته النسبية من ملفات الفساد. لكن اجتماع اليوم يُنذر بأن الرهان على التغيير من داخل التركيبة القائمة قد لا يكون إلا وهمًا جديدًا.

فالواقع أقوى من النوايا، والنظام السياسي في لبنان لا يسمح ببناء دولة، بل يدفع كل قادم جديد إلى أحد خيارين: إما أن يُطبّع، أو يُقصى.

ويبدو، للأسف، أن سلام قرر ــ أو أُجبر ــ على الخيار الأول.

إن المطلوب اليوم ليس ترضية اتحاد النقل، بل تحرير الدولة من قبضات النقابات الزبائنية والأحزاب الممسكة بمفاصل الاقتصاد غير الرسمي.

 • نريد سياسة محروقات عادلة تشمل الجميع.

 • نريد خطة أجور تُطبّق تدريجيًا وفقًا لسلم واضح وشفاف.

 • نريد قطيعة حقيقية مع ثقافة “من يهدد يُكافأ”.


أما أن يُختزل “العدالة” في إعفاء فئة مرتبطة بالسلطة من الضرائب، فهذه ليست دولة، بل سوق مساومات سياسية بثوب اجتماعي.

وإذا لم يُدرك نواف سلام ذلك بعد، فربما لم يدخل السراي… بل ضاع فيه!

المنشورات ذات الصلة