تشهد منطقة الشرق الأوسط لحظة مفصلية، مع تصعيد غير مسبوق تمثّل في الضربة الإسرائيلية الأخيرة التي استهدفت عمق الأراضي الإيرانية، في خطوة وصفها مراقبون بـ"التحول الاستراتيجي العميق"، بحسب ما ورد في تحليل لصحيفة فايننشال تايمز البريطانية.
وطرحت الصحيفة السؤال المحوري: لماذا الآن؟ ما الذي دفع إسرائيل إلى هذا المستوى من التصعيد في هذا التوقيت بالذات؟ لتجيب عبر ستة عوامل رئيسية رسمت معالم القرار الإسرائيلي: تسبّب هجوم حركة "حماس" في 7 تشرين الأول 2023 بصدمة وجودية في الداخل الإسرائيلي. ومنذ ذلك اليوم، غيّر قادة تل أبيب نظرتهم إلى المشهد الإقليمي، وبدأوا ينظرون إلى السلاح النووي الإيراني كتهديد وجودي مباشر لا يمكن التساهل معه.
وأشارت الصحيفة إلى أن منظومات الدفاع الجوي الإيرانية ومراكز تصنيع الصواريخ تعرّضت لأضرار جسيمة خلال الضربات الإسرائيلية السابقة، لا سيما في تشرين الأول الماضي، ما فتح لإسرائيل "نافذة نادرة" لتنفيذ هجوم نوعي، مدركة أن طهران في حالة ضعف دفاعي مؤقت.
في تقريرها الأخير، أكدت الوكالة الدولية للطاقة الذرية أن إيران باتت على مقربة من القدرة الكاملة على إنتاج سلاح نووي، بعد انتهاك التزاماتها بمعاهدة الحد من الانتشار النووي. هذا التطور، وفق فايننشال تايمز، عجّل في قرار إسرائيل بالتحرك عسكريًا قبل فوات الأوان.
كما تحدثت الصحيفة عن شعور إسرائيل المتزايد بالقدرة على إعادة تشكيل التوازن الإقليمي، خاصة بعد أن تحدّت تحذيرات واشنطن ونفذت اغتيالات في صفوف "حزب الله" دون أن تجر إلى مواجهة شاملة. هذه التجربة عزّزت ثقة المؤسسة العسكرية في قدرتها على تنفيذ ضربة مباشرة في طهران.
وسط تفاقم الانتقادات الدولية للوضع الإنساني في غزة، يرى مراقبون أن التصعيد مع إيران قد يكون أيضًا وسيلة لحكومة بنيامين نتنياهو لتحويل التركيز الإعلامي والدبلوماسي عن الحرب في القطاع، ومحاولة لحشد التأييد الأوروبي خلف إسرائيل في مواجهة "التهديد الإيراني".
رغم التنسيق الوثيق بين تل أبيب وواشنطن، إلا أن إسرائيل فقدت الثقة بمسار المفاوضات الذي تقوده إدارة دونالد ترامب مع إيران، خاصة مع اقتراب جولة حوار جديدة بين الطرفين. ووفق الصحيفة، فإن إسرائيل أرادت أن "تنتزع زمام المبادرة" وتحبط أي اتفاق مستقبلي قد يتيح لطهران تطوير قنبلتها النووية بهدوء.
الهجوم على إيران ليس مجرد رد على تهديد عسكري، بل هو نتاج 20 سنة من التخوفات المتراكمة، انفجرت في لحظة رأت فيها إسرائيل أن الوقت حان لـ"كسر الصمت الاستراتيجي".