عاجل:

ماذا تُخفي تل أبيب من وراء التعتيم الإعلامي على حجم الضربات الإيرانية؟ (اللواء)

  • ٢٣

كتب حسين زلغوط:

تشهد المنطقة برمتها تصعيدًا غير مسبوق في المواجهة المباشرة بين إيران وإسرائيل، حيث ينفذ الجانبين هجمات واسعة النطاق بطائرات مسيّرة وصواريخ باليستية ضد أهداف داخل العمق في ايران واسرائيل، ورغم فداحة الخسائر التي تحدثها الصواريخ الايرانية خصوصا في تل أبيب، اختارت اسرائيل منذ اليوم الأول لاندلاع الحرب اتباع سياسة تعتيم إعلامي واسع النطاق، حيث تحاول من خلاله التقليل من حجم الخسائر والضرر الذي يلحق بالبنية التحتية والمواقع العسكرية والاستراتيجية.

لطالما اعتبرت إسرائيل إدارة المعلومات جزءًا من استراتيجيتها الأمنية، لذا فإن التعتيم الإعلامي في وقت الأزمات ليس جديدًا عليها، فقد اتبعته خلال حروبها المتعددة مع غزة ولبنان، وكذلك في العمليات السرية عبر الشرق الأوسط، لكن ما يجري اليوم يختلف جذريًا عما سبق، فهذه هي المرة الأولى التي تُستهدف فيها تل أبيب ومناطق مركزية بصواريخ باليستية إيرانية بشكل مباشر وواسع.

الإعلام الإسرائيلي الرسمي، مدعومًا برقابة عسكرية صارمة، يعلن في أغلب الأحيان عن «نجاح القبة الحديدية ومنظومة حيتس» في اعتراض الغالبية الساحقة من الهجمات، مشيرًا إلى حدوث أضرار طفيفة وإصابات محدودة، وفي المقابل، تكشف تقارير مسرّبة وصور يتم التداول بها على وسائل التواصل الاجتماعي حجمًا مختلفًا تمامًا، بما في ذلك انفجارات ضخمة في محيط مطار بن غوريون، واشتعال النيران في منشآت صناعية في هرتسليا ورمات غان، وانهيار أجزاء من مبانٍ سكنية في عدة أماكن.

بعض المراسلين الأجانب، الذين لم يكونوا خاضعين للرقابة العسكرية الإسرائيلية، أشاروا إلى أن نظام الدفاع الجوي لا يمكنه صد جميع الصواريخ، وأن عشرات الصواريخ وصلت بالفعل إلى أهدافها. وتُظهر صور أقمار صناعية تُنشر بعد الهجمات الصاروخية الايرانية وجود أضرار في منشآت يُعتقد أنها ذات طابع عسكري أو تكنولوجي حساس.

وفي تقدير متابعين أن أحد الأسباب الرئيسية وراء التعتيم الإسرائيلي هو الحفاظ على صورة «الردع» و«التفوق الدفاعي» في المنطقة، وخاصة في وجه إيران، حيث يخشى المسؤولون الإسرائيليون من أن الكشف عن هشاشة منظوماتهم الدفاعية قد يدفع خصومهم إلى مزيد من التجرؤ.

ويتفق هؤلاء على أن إسرائيل تخشى من انعكاسات كشف الواقع على الرأي العام الداخلي. فالمجتمع الإسرائيلي، الذي يعيش منذ سنوات في ظل التهديدات، يعتمد على ثقته بمؤسسات الدولة وقدرتها على الحماية، وأي شرخ في هذه الثقة قد يؤدي إلى أزمة داخلية، سياسية وأمنية، في وقت تعيش فيه إسرائيل بالفعل حالة من الاستقطاب السياسي الحاد، وهي تعتبر أن أي كشف عن إخفاق في منظومات الدفاع أو عن ضرب أهداف استراتيجية داخل العمق قد يُعتبر فشلًا ذريعًا، لا تتحمله الحكومة الحالية التي تواجه ضغوطًا داخلية وخارجية.

هذا التعتيم الإسرائيلي لا يؤثر فقط على الداخل الإسرائيلي، بل يُقصد به أيضًا إرسال رسائل إلى الحلفاء والخصوم في آن واحد. في واشنطن، لا ترغب إسرائيل في الظهور كطرف ضعيف يحتاج إلى تدخل مباشر، أما تجاه إيران، فتسعى تل أبيب إلى الإيحاء بأن ما جرى ويجري حتى الساعة لم يكن مؤثرًا، لتجنّب الظهور كطرف تلقّى ضربة قاسية من عدو بعيد.

لكن ورغم كل ما تبذله إسرائيل من جهود لحجب المعلومات، فإن الواقع الميداني بدأ يتسلل إلى العلن، فلم تعد الصور الجوية والتسريبات من داخل إسرائيل أمرًا نادرًا في عصر الإنترنت المفتوح، وأي محاولة لإخفاء الحقيقة لا تصمد طويلًا، فالتعتيم الإعلامي قد ينجح مؤقتًا في تهدئة الداخل، لكنه لا يغيّر الحقائق العسكرية على الأرض، ولا يمنع خصوم إسرائيل من إعادة تقييم ميزان القوة في المنطقة، وهو ما قد يؤدي إلى تداعيات استراتيجية أعمق مع قابل الأيام.


المنشورات ذات الصلة