كتب حسان الحسن في "الثبات":
إثر التقدم الذي تحقق أخيرًا في العلاقات السياسية والدبلوماسية بين سورية والدول الأوروبية والعربية وسواها، خصوصًا بعدما عيّنت إيطاليا سفيرًا لها في دمشق، وقبلها كان أعلن الرئيس التركي رجب الطيب إردوغان عزمة على إعادة العلاقات الثنائية مع الجارة سورية إلى ما كانت عليه قبل منتصف آذار من العام 2011؛ تاريخ بدء الحرب الكونية على سورية، ليناقضه بعدها وزير الدفاع التركي يشار غولر، في تصريحٍ له، في الأيام الفائتة، عبّر فيه عن رغبة بلاده في استئناف محادثات التطبيع مع سورية، لكنه وضع شرطين لسحب القوات التركية من الأراضي السورية، هما: وضع دستور جديد، وإجراء انتخابات حرة نزيهة.
ما يُعَد تدخلًا في الشؤون الداخلية لدولةٍ ذات سيادة، بذل أبناؤها التضحيات الجسام دفاعًا عن سيادتها وحفاظًا على قرارها الحر، فمن البديهي أن ترفض دمشق مجددًا أي نوعٍ من الإملاءات عليها، أو التدخل في شؤونها الداخلية، فهل يعقل أن توافق اليوم عبر الطرق الدبلوماسية على شروطٍ وتدخلاتٍ رفضتها عبر الضغوط العسكرية والعمليات الإرهابية وسواها من أعمال الترهيب؟
لا ريب أن موقف وزير الدفاع التركي المذكور آنفًا قد ينسف كل "الكلام الإيجابي" حيال سورية، الصادر عن رئيس النظام التركي، إلا إذا كان ذلك، تقسيم أدوارٍ بين أركان هذا النظام، على قاعدة "الأول (أي الرئيس) يرخي والثاني (أي الوزير) يشد"، والهدف من وراء ذلك هو تعزيز أوارق أنقرة على طاولة المحادثات المنتظرة مع دمشق، خصوصًا في شأن مسألتي ضبط الحدود المشتركة، بالتالي التصدي للحركة الانفصالية التي تسعى من خلالها "قوات سوريا الدمقراطية - قسد" إلى إقامة "كونتون كردي" في منطقة الشمال السوري المحاذية للحدود التركية، الأمر الذي تعتبره تركيا تهديدًا لأمنها الوطني، كذلك العمل على إعادة اللاجئين السوريين إلى ديارهم، لتخفيف عبء اللجوء السوري الذي أثقل "كاهل الترك".
لكن يبقى الاحتمال الأسوأ، وهو الأكثر ترجيحًا، وبالتالي أن يكون موقف الوزير التركي قد جاء في سياق استمرار الضغوط الأميركية على الشعب السوري وحكومته، ما يعني عرقلة أو إعاقة مسار أي تقدمٍ مرتقبٍ في العلاقات السياسية بين سورية والدول العازمة على إعادة تفعيل العلاقات مع الأولى، على اعتبار أن هذا التصعيد في الموقف التركي إزاء دمشق ترافق مع تصعيد ميداني، إثر تحريك خلايا تنظيم داعش الإرهابي، لمواجهة الجيش السوري ومحاولة إعاقة تقدمه، انطلاقاً من محيط قاعدة الاحتلال الأميركي في التنف الواقعة على المثلث الحدودي بين سورية والعراق والأردن، بحسب تأكيد مصادر عليمة.
يأتي ذلك في إطار استمرار الضغوط على محور المقاومة ككل، في انتظار جلاء الوضع الإقليمي وما ستؤول إليه الأوضاع في فلسطين المحتلة، وعادةً تزداد الضغوط قبل تبلور التسويات.
وهنا يعتبر مرجع عربي معني بالأوضاع في المنطقة أن "التسوية أو الحل المرتجى في المنطقة، مرتبط بنجاح الهدف الاستراتيجي الأميركي وهو خط الهند- حيفا، لمواجهة المشروع الاقتصادي الصيني الحزام والطريق أو خط الحرير، ويتطلب تحقيق هذا الأميركي، تعاونًا خليجيًا مع الكيان الإسرائيلي، لأن خط قطار الهند- حيفا أو ممر باديدن يمر في الخليج والأردن ثم حيفا، ومنها يتم نقل البضائع في البحر إلى أوروبا، ما يقلل من أهمية قناة السويس وباب المندب وبحر العرب، إذا حققت واشنطن هدفها المذكور آنفًا..
إذاً، إن عرقلة إمكان نجاح أي حلٍ مرتجى للأوضاع في المنطقة راهنًا، تقف خلفه واشنطن، في انتظار ما ستخرج به الحرب الأميركية - الإسرائيلية على غزة من نتائج، وما إذا كانت ستنجح هذه الحرب في القضاء على المقاومة الفلسطينية، ثم في فرض مخطط تطبيع العلاقات العربية مع الكيان الإسرائيلي، لتمرير خط بادين".