عاجل:

إسرائيل... بين تغيير قواعد اللعبة وتفكيكها (النهار)

  • ١٧

كتب جورج عسى:

عملية "طوفان الأقصى" فاجأت إسرائيل. تداعيات العملية فاجأت إيران. منذ 7 أكتوبر، استعادت إسرائيل توازنها. إيران لا تزال تبحث عنه. زار الرئيس السابق جو بايدن رئيس الحكومة الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، حين كان تحت الصدمة. أعطاه الدّعم المعنويّ والعسكريّ. لكنه حذّر مضيفه من سلوك المسار الأميركيّ بعد هجمات 11 سبتمبر.

 أخذ نتنياهو الدعم... ورفض النصيحة.

بعد حربي أفغانستان والعراق، باتت الولايات المتحدة حذرة من المغامرات العسكرية الخارجية. إسرائيل، على العكس، أضحت أكثر تجرؤاً. كسرت تل أبيب العديد من التصورات عن قدرة التحمل لديها. قلة توقعت أن تخوض حرباً استنزافية في قطاع غزة، حيث تختلط الأنفاق بالكمائن والأنقاض بالقنّاصة. وسط ذلك القتال الشرس، شنّت إسرائيل حرباً على "حزب الله" في لبنان، بعد نزاع مضبوط نسبيّاً، في 17 أيلول/سبتمبر 2024، تاريخ تفجيرات أجهزة النداء (بيجرز). تم تحييد آلاف المقاتلين وعشرات آلاف الصواريخ وتآكلَ الحزب عملياً، بطريقة لم يكن لأحد أن يتخيّلها. في الوقت نفسه، واظبت إسرائيل على شن هجمات في خمس جبهات أخرى، تبدأ بالضفة ولا تنتهي بإيران، بل قد تُنهي إيران – بوجهها الحالي.

قوة ومنعطف

منذ 7 أكتوبر، توسعت لائحة التواريخ المفصلية التي منحت إسرائيل الميزة تلو الأخرى، وصولاً إلى ذروة قوتها. لكنها ذروة فرضت المنعطف الأخطر: 13 حزيران/يونيو 2025. في تلك اللحظة، أو قبلها بقليل، اختارت إسرائيل نقل المعركة إلى الداخل الإيرانيّ رافضة، مجدداً، تفضيلات أميركا. بحسب "نيويورك تايمز"، كانت تل أبيب قد قرّرت في أواخر أيار/مايو خوض المواجهة مع إيران: مع أو بدون دعم أميركيّ. انتظرت مهلة الستّين يوماً التي حدّدها الرئيس الأميركي ثم شنّت هجوماً شاملاً أودى بحياة عشرات القادة الأمنيين والعلماء، كما دمر الكثير من برنامجي إيران الصاروخيّ والنوويّ.

بسبب هذا النجاح تحديداً، بدأ ترامب يفكّر جدّيّاً بضرب إيران، بعدما راح يتحدّث عن "أنّنا نسيطر" على الأجواء الإيرانيّة، بدلاً من الحفاظ على الحياد الظاهريّ في البيان الأوّليّ لوزارة خارجيّته. لم يكن النجاح التكتيكيّ الإسرائيليّ في إيران خلال الأيّام الأولى هدفاً بعينه وحسب، بل أيضاً وسيلة لكسب دعم ترامب العسكريّ. لا تزال هذه الغاية غير مضمونة، لكنّها أقرب إلى نتنياهو من أي وقت مضى منذ أوائل نيسان/أبريل. حينها، فاجأه ترامب في البيت الأبيض بإبلاغه أنّ مفاوضيه سيلتقون بالإيرانيّين.

الجديد على أنقاض القديم؟

بعد مرور أسبوع على الهجوم الأخير، تُواصل إسرائيل تغيير قواعد اللعبة في المنطقة. بشكل أدقّ، هي تواصل تفكيكها، بالتوازي مع تفكيك "المحور". لم تعد الحرب بين الطرفين حرباً بالوكالة، ولا حتى حرب ظلّ. لقد أصبحت حرباً شاملة مع تحفيز استثنائيّ من التكنولوجيا والاستخبارات. وإلى الآن على الأقل، لم يهبّ أيّ من أذرع/حلفاء إيران للدفاع عنها. لكن بالرغم من تقويض النظام القديم، تبدو إسرائيل عاجزة عن تدميره تماماً حتى اللحظة. قد تجرّ طهران تل أبيب إلى حرب مطولة، لكن عليها حماية ترسانتها الصاروخية ومصانعها من الاستهداف. إلى الآن، يبدو أن الهجمات الصاروخية الإيرانية على إسرائيل تتناقص، لكنها لا تزال تحتفظ بخطورتها.

مشكلة إسرائيل، ورئيس وزرائها بالتحديد، أنّهما يجيدان إطلاق الحروب، والتفوّق فيها؛ لكنّهما لا يجيدان إنهاءها. لا تزال غزة تتصدّر العناوين. إذاً، تحتاج إسرائيل إلى الدعم، بل إلى الضبط الأميركيّ. ربما يكون ترامب الوحيد القادر على إنهاء الحرب الحاليّة بشكل حاسم لمصلحة تل أبيب. وحتى لو حقّقت إسرائيل ذلك بمفردها، فستظلّ بحاجة إلى أميركا، كي تؤسس نظاماً جديداً متوازناً في الشرق الأوسط يقوم على أنقاض القديم. فالولايات المتحدة تظل أخبر من حليفتها في بناء الأنظمة الإقليميّة والدوليّة. مع ذلك، لم تعد أميركا تُشبه نفْسَها بسبب نَفَسِها الانعزاليّ الجديد.

مشكلة الشرق الأوسط الكبيرة هي أنّ نتنياهو، كما العادة، سيرفض أيّ مسعى أميركيّ هادف. على افتراض أنّ واشنطن ستبذل جهداً كهذا في المقام الأول.


المنشورات ذات الصلة