عاجل:

العالم أسير توقيت ترامب (نداء الوطن)

  • ١٠

تتسعّر الحرب الإسرائيلية - الإيرانية كلّ يوم أكثر من سابقه. حرصت إسرائيل على توسيع دائرة استهدافاتها للمنشآت النووية ومواقع أخرى، فلامست نيران صواريخها نطنز وأراك وقواعد عسكرية ونقاط إطلاق صواريخ مختلفة، بينما حقّقت إيران أقوى ضرباتها الصاروخية في وسط إسرائيل وجنوبها محدثة دمارًا هائلًا. حتى كتابة هذه السطور، لم يُعطِ الرئيس الأميركي دونالد ترامب "الضوء الأخضر" للقيادة المركزية الأميركية لدخول الحرب، إذ سيتخذ قراره في شأن التدخل من عدمه "خلال الأسبوعَين المقبلَين"، وفق البيت الأبيض. هذا "الغموض الاستراتيجي" جعل العالم بأسره أسير توقيت ترامب، الذي سيُزلزل الشرق الأوسط متى اختار ضرب إيران ويُمهّد تاليًا لإعادة صياغة الخريطة الجيوسياسية الإقليمية وفقًا لموازين قوى جديدة.

يتعمّد ترامب إذكاء "الحرب النفسية" على قادة طهران للاستحصال منهم على تنازلات، وإن لم يتحقق ذلك تأتي الضربة التي ستبدّل وجه المنطقة، بعد اكتمال التحضيرات الأميركية، الهجومية والدفاعية. سيتلقى الرئيس الجمهوري إفادات استخباراتية مع مجلس الأمن القومي اليوم وغدًا والأحد. تهديد ترامب قائم في كلّ لحظة، إلّا أنه يريد استنفاد كافة الخيارات الدبلوماسية، فضلاً عن الاطلاع العميق على مخاطر قصف منشأة فوردو النووية ومدى فعالية قنبلة "جي بي يو 57"، المعروفة بـ "خارقة المخابئ"، في تدمير المنشأة النووية الأكثر تحصينًا في إيران، وهو يرى أن تعطيلها أمر ضروري لا مفرّ منه. فإتمام المهمة يعني تدمير فوردو، بالنسبة إلى ترامب، لكنه أرجأ اتخاذ قرار الضربة تحسّبًا لموافقة طهران على التخلّي عن برنامجها النووي، وفق تقارير أميركية.

يتخذ الجيش الأميركي خطوات عدة لحماية أصوله ومعدّاته وجنوده في الشرق الأوسط، وتعبيد الطريق لـ "ساعة الصفر" متى أعطى ترامب الأمر بالهجوم. تسريب حصول تواصل بين المبعوث الأميركي ستيف ويتكوف ووزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي هاتفياً عدّة مرّات منذ بداية الحرب، أعاد إلى أذهان المراقبين اللقاء الذي جمع وزيرَي خارجية أميركا والعراق في أوائل التسعينات من القرن الماضي، جيمس بيكر وطارق عزيز توالياً، في جنيف، وكيف رفض الأخير استلام رسالة الرئيس الأسبق جورج بوش التي وجّهها لصدام حسين، قبل انطلاق الحرب آنذاك. وأفاد دبلوماسيون لوكالة "رويترز" بأن واشنطن اقترحت "عرضًا جديدًا" لتجاوز الجمود في شأن الخطوط الحمر المتعارضة، وبأن عراقجي أبلغ ويتكوف بأن طهران "يُمكن أن تبدي مرونة في القضية النووية" إذا ضغطت واشنطن على إسرائيل لإنهاء الحرب.

جنيف ذاتها ستحتضن اليوم اجتماعًا يجمع عراقجي مع نظرائه من بريطانيا وفرنسا وألمانيا والاتحاد الأوروبي. كما سيُشارك عراقجي في الاجتماع الاستثنائي لوزراء خارجية "منظمة التعاون الإسلامي" في اسطنبول غدًا. الخيار أمام نظام الملالي صعب للغاية، فالمخرج بات واضحًا أمامهم كعين الشمس، لكنه مذلّ. العرض الأميركي ما زال على الطاولة: إمّا القبول بشروطنا الصارمة لوقف الحرب، وإمّا تحمّل عواقب دخولنا الحرب لحسمها. ويبدو أن الغارات الجوية الإسرائيلية الواسعة والكثيفة تهدف إلى ما هو أبعد من تدمير البرنامج النووي والقدرات الصاروخية الإيرانية، إذ تسعى إلى زعزعة أسس حكم نظام الملالي بقيادة المرشد الأعلى علي خامنئي وتركه على شفا الانهيار. وأوضح أحد كبار المسؤولين الإقليميين لـ "رويترز" أن الحملة تركّز على "استنزاف قدرة النظام على استعراض القوة والحفاظ على التماسك الداخلي".

في السياق، اعتبر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أن تغيير أو سقوط النظام الإيراني ليس هدف إسرائيل، لكنه قد يكون "نتيجة طبيعية". كما أوضح وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر أن "تغيير النظام" في طهران ليس هدفًا حدّده مجلس الوزراء الأمني "في الوقت الحالي"، فيما اعتبر وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس أن "وجود نظام مثل نظام خامنئي أمر خطر جدًّا، إذ تهدف أيديولوجيته إلى تدمير إسرائيل، وهو يستثمر كلّ موارد دولته باستمرار لتحقيق مثل هذا الهدف"، جازماً بأنه "لا يُمكن السماح لمثل هذا الشخص بالبقاء". وذكر موقع "واي‌ نت" الإسرائيلي أنه رغم أن نظام الحكم في إيران لم يسقط بعد، فإن "الدول الغربية بدأت بمراجعة سيناريوات لخلافته".

يُثير احتمال دخول أميركا الحرب مخاوف من تمدّد الصراع في المنطقة، كما أن التلويح باغتيال خامنئي يُثير موجة غضب، خصوصاً في الأوساط الشيعية. ولقد دان مكتب المرجع الشيعي الأعلى في العراق آية الله علي السيستاني، في ثاني بيان له منذ اندلاع الحرب، "العدوان العسكري" الإسرائيلي على إيران، محذرًا من أن استمراره والتهديد باستهداف القيادة الإيرانية العليا ينذران بحدوث "فوضى عارمة" في المنطقة، في حين توجّه الأمين العام لـ "حركة النجباء" الشيخ أكرم الكعبي إلى ترامب بالقول: "إن لمستم شعرة من ولي الأمة الإمام خامنئي، ستكونون أنتم وحلفاؤكم وأذنابكم الأرجاس تحت ملاحقتنا ونيراننا في كلّ منطقتنا الإسلامية"، متوعّدًا بأنه "لن يسلم حينئذ منكم لا عسكري ولا دبلوماسي، بل إن كل من يحمل جنسيتكم في منطقتنا وكلّ مصالحكم المباشرة وغير المباشرة ستكون أهدافًا مشروعة لنا". بدوره، رأى "حزب الله" اللبناني أن "التهديد بالقتل حماقة وتهوّر، له عواقب وخيمة".


المنشورات ذات الصلة