عاجل:

هل يصمد المجتمع العِبري في حرب استنزاف طويلة؟ (نداء الوطن)

  • ١٩

كتب نايف عازار:

يبدو أن طبول الحرب التي قُرعت بقوة بين الدولة العبرية ونظام الملالي ستحافظ على صخبها المتصاعد والمتدرّج، ولا ريب في أن الجمهورية الإسلامية استوعبت صدمة صفعة "الأسد الصاعد" الأولى القاصمة، والتقطت أنفاسها وأعدّت العدّة لحرب قد تكون طويلة، فهي بدأت بـ "تقنين" إطلاق الصواريخ الباليستية، على عكس ما فعلته في اليوم الأوّل للحرب عندما أمطرت إسرائيل بنحو 150 صاروخاً، وهي معززة داخليًا بتماسك والتفاف شريحة واسعة من الإيرانيين حول قيادتهم وأيديولوجيّتهم المستمدَّة من خلفية دينية عقائدية.

ولا شك أيضًا في أن إسرائيل تحقق انتصارات كبيرة، فمقاتلاتها المتطورة تجوب الأجواء الإيرانية بلا حسيب أو رقيب وتنتقي ما يحلو لها من أهداف بدقة عالية، خصوصًا في طهران التي باتت مجرّدة من أي دفاعات جوية، كما أن عناصر "الموساد" متغلغلون ويسرحون ويمرحون في الربوع الإيرانية، حيث يبدو أنهم وجدوا "بيئة حاضنة" لهم، لينفذوا ما شاؤوا من عمليات نوعية ضد العلماء النوويين والقادة العسكريين.

تداعيات سلبية على الحركة الاقتصادية

الحكومة الإسرائيلية التي تعوّل على التدخل الأميركي لحسم المنازلة مع إيران، تحظى حتى الآن بدعم والتفاف غالبية الإسرائيليين في الحرب على "رأس الأخطبوط"، بحسب الوصف الإسرائيلي لإيران، ولكنها تتخوف من أن تلقى هذه الحرب مع تقدّم الأيام مصير الحرب على غزة، لجهة المعارضة الشعبية التي باتت عارمة لها، حيث باتت حكومة نتنياهو تتلقى انتقادات داخلية لاذعة لإخفاقها في إطلاق من تبقى من أسرى قابعين في شباك "حماس" في القطاع المدمّر.

والمجتمع الإسرائيلي الذي يرنو كما حكامه للتخلّص من البرنامج النووي الإيراني، بدأ بالتذمّر وبرفع الصوت في وجه صناع القرار في تل أبيب، وأخذ يسأل "بيبي": لماذا شنّيت حربًا على إيران ولم تقضِ بعد على برنامجها النووي برمته؟ علاوةً على ذلك، فإن قدرة الجبهة الداخلية الإسرائيلية على الصمود لا يمكن مقارنتها بتلك الإيرانية.

ففي بلاد فارس، المواطنون "المقهورون" معتادون على الحروب الطويلة وعلى العقوبات الاقتصادية الخانقة، أما في الدولة العبرية، فالمواطنون "المرفَّهون" غير معتادين على حروب طويلة الأمد، إذ إن حروب إسرائيل على الدول العربية لطالما كانت في السابق خاطفة وسريعة، وكيف إذا كانت الحرب مع إيران تدور الآن رحاها على المسرح الإسرائيلي أيضاً، حيث لم تعد أي رقعة في الدولة العبرية بمنأى عن الصواريخ الإيرانية والتي قد تكون "عمياء" بمعظمها ولا تتسم بدقة عالية، وقد أضحى الداخل الإسرائيلي يخضع لتحكم ورحمة المنظومة الصاروخية الإيرانية في يومياته، التي عطّلت الدورة الاقتصادية في تل أبيب وحيفا ومدن أخرى، بحكم بقاء الإسرائيليين في الملاجئ أو في أماكن قريبة منها، هربًا من الصواريخ، وأمست بذلك الحكومة الإسرائيلية تسعى إلى الموازنة بين خطر المقذوفات الجوية القاتلة وبين تسيير أعمال المواطنين المشلولة منذ أكثر من أسبوع، وهذا يرخي بطبيعة الحال بتداعياته السلبية على الحركة الاقتصادية برمتها.

مرحلة "عضّ الأصابع"

رغم أن تل أبيب كانت متحسّبة لهذا السيناريو، حيث توزَّع الوزراء فور اندلاع الحرب في ملاجئ متنوعة ومحصّنة تحت الأرض، شأنهم شأن المواطنين، إلّا أن اتخاذ الحرب طابع الاستنزاف يصب إذًا في مصلحة إيران وليس في مصلحة إسرائيل وأميركا ودول العالم، وإطالة أمد الحرب لا يمكن أن تتحمّله الدولة العبرية، كما لا يمكن لـ "عرّابتها الأميركية" أن تغضّ الطرف عنها طويلًا.

يبقى أن المواجهة الاستراتيجية بين العدوتين اللدودتين تكاد تبلغ ذروتها، ومرحلة "عضّ الأصابع" ستبقى سيّدة الموقف في الأيام القليلة المقبلة، في انتظار حدوث تطور كبير يحسم الحرب، وهذا الحسم سيبقى بعيد المنال من دون التدخل المباشر لـ "العمّ السام" في حلبة الصراع العسكري. وبعدما كان هَمّ نظام الملالي الحفاظ على مشروعه في المنطقة، بات هاجسه اليوم الحفاظ على نظامه المترهل والمتداعي والآيل للسقوط.


المنشورات ذات الصلة