عاجل:

صورة البلد في مرآة القانون.. السياحة مسؤولية دولة، لا وزارة فقط؟! (آراء حرة)

  • ٧٠

بقلم عصام شلهوب

رغم ضجيج التوترات الإقليمية التي تلفّ الشرق الأوسط كعباءة من نار، يصرّ لبنان أن يكون “الواحة الصغيرة” التي تنبض بالحياة بين الرماد. وقد أعلن وزير الداخلية أحمد الحجار أن الوزارة أعدّت خطة أمنية شاملة لاستقبال السياح، مؤكّدًا أن كل الإجراءات وُضعت بعناية لتأمين سلامة الزوّار، من لحظة هبوطهم في مطار رفيق الحريري الدولي وحتى وصولهم إلى الجبل أو البحر.

في الخطة، تعزيز أمني في المطار، تحسين في مداخل العاصمة، تكثيف التواجد العسكري والشرطي على امتداد الساحل والجبل، وتنسيق عالٍ بين الأجهزة الأمنية، يشرف عليه الوزير بصفته رئيس مجلس الأمن الداخلي المركزي. ولا شكّ أن هذه العناصر تُعطي انطباعًا أوليًا بالثقة والانضباط، وتضع السياحة على سكة الأمل، ولو جزئيًا.

لكن، هل وحدها الحراسة كفيلة بأن يتحوّل لبنان إلى وجهة مطمئنة؟

هل تكفي الحواجز الأمنية والأنظار الساهرة كي يشعر السائح أنه في بلد مضياف، مستقرّ، آمن؟

الجواب، ببساطة، لا.

ليس الخطر، في عين السائح، أن ينفجر صاروخ على الحدود. بل أن يخترق سائق دراجة نارية إشارته المرورية في شارع الحمرا، أو أن يجد سيارة تخرج عليه بالاتجاه المعاكس في المنصورية، أو أن تتوقف به سيارة الأجرة في زحمة غير مفهومة على طريق جعيتا دون تفسير.

السائح لا يهوى المغامرة حين يتعلّق الأمر بالتنقّل. ولا يملك الشجاعة الكافية ليختبر فوضى السير اللبناني التي لا توفّر لا مركبة، ولا رصيف، ولا قانون. وفي كل منعطف، يسأل نفسه:

“كيف يُعقل أن بلداً بهذا الجمال لا يستطيع أن يُنظم حركة المرور؟”

إن تنفيذ قانون السير ليس مسألة محلية، بل هو في صميم تجربة السائح.

ففي الدول المتقدّمة سياحيًا، يُعتبر احترام قواعد الطريق من أبسط المؤشرات على حضارة الشعوب، وجديّة الدولة، واحترامها لحياة الإنسان.

كيف نقنع زائرًا أوروبيًا أو خليجيًا، اعتاد على العبور في ممرّات آمنة وتواقيت دقيقة، أن يقود سيارة في لبنان دون أن يشعر أنه يدخل مغامرة غير محسوبة؟

في تقريره لعام 2024، وضع المنتدى الاقتصادي العالمي للسفر والسياحة (WEF) لبنان في مرتبة متأخرة من حيث البنية التحتية للنقل. وهذا التقييم لا يأتي من فراغ. فعند غياب الإنارة، وانعدام إشارات المرور، وانفلات الدراجات والسيارات من الرقابة، يشعر السائح وكأنه لا يسير في بلد، بل في منطقة غير مضبوطة.

وما يزيد الطين بلّة، غياب المحاسبة. إذ لا ترى عناصر قوى الأمن تطبّق القانون إلا في حملات موسمية، بينما تبقى المخالفات اليومية تمرّ بلا عقاب، فتنكسر هيبة القانون، وتُخدش صورة الوطن في نظر الوافد.

النجاح في السياحة لا يُقاس بعدد الجنود المنتشرين، بل بـ:

 • مدى انضباط الشارع.

 • وضوح الأسعار في الفنادق والمطاعم.

 • جودة الخدمة العامة.

 • حضور الدولة كمرجعية قادرة على أن تحمي المواطن والسائح معًا.

ولا يكفي أن يشعر السائح بالأمان من الإرهاب، إذا ما شعر بالخطر من حفرة في طريق، أو من سائق أجرة لا يعرف التسعيرة، أو من موظف لا يحترم لياقة التعامل.

وإذا كانت وزارة الداخلية تؤدي واجبها الأمني، فإن باقي الوزارات مدعوة إلى أن تنهض بمسؤولياتها:

 • وزارة السياحة لإعادة ضبط التسعير ومنع الاستغلال.

 • وزارة الأشغال لترميم الطرقات.

 • وزارة العدل لفرض القانون.

 • ورئاسة الحكومة لتشكيل خلية دائمة تُتابع الموسم بكل مفاصله، من المطار إلى الفندق، من الجبل إلى البحر.

وحده التنسيق، لا الأمن فقط، هو ما يصنع “موسمًا ناجحًا”، لا موسمًا آمنًا فقط.

لبنان لا يحتاج أن يُقنع العالم بجمال طبيعته، فهذه هبة إلهية. ولا يحتاج أن يُنفق ملايين الدولارات على الترويج، فصور جباله وسهوله تُغني عن الكلام.لكنّه يحتاج بشدّة إلى أن يُظهر للعالم أنه دولة تحترم الحياة… حتى على الطريق.فالسائح، مهما أُعجب بالمكان، لن يعود إليه إن شعر أن حياته على المحك في رحلة قصيرة من المطار إلى الفندق. وكل دعوة لزيارة لبنان يجب أن تمر أولًا من مرآة الطريق. لأن لبنان الحقيقي يُكتشف في العبور إليه، لا فقط في الوصول.

المنشورات ذات الصلة