عاجل:

"الدولة أولًا".. ولا بديل منها منعا لاستنساخ "التجربة السورية"! (آراء حرة)

  • ١٤

آراء حرة – "إيست نيوز" 

بقلم عصام شلهوب

مشاهد الاشتباكات الأخيرة في محافظة السويداء السورية، وما تبعها من إعلان بعض العشائر “النفير العام” ضد المكوّن الدرزي، ليست حادثة عابرة، بل نتيجة طبيعية لفراغ السلطة وغياب المرجعية العليا التي تضبط إيقاع التعايش وتحسم التناقضات وتمنع انزلاق المجتمعات نحو الفتنة والانهيار. في لحظة غياب الدولة، تتحول العشيرة إلى بديل، والطائفة إلى درع، والسلاح إلى لغة.

الدولة، بوصفها الكيان الضامن للحقوق والحريات والاستقرار، لا يمكن تعويضها بأي مرجعية بديلة، مهما بدت قوية أو متماسكة. وحين تُكسر الدولة، تبدأ كل فئة بالبحث عن أمنها بوسائلها الخاصة، خارج القانون، فيغيب العدل وتنتشر الفوضى ويتحول الناس إلى ضحايا لمعادلات القوة المحلية. وهذا ما نشاهده بوضوح في أكثر من منطقة في سوريا، حيث تحل الميليشيات محل المؤسسات، والمذاهب محل القانون، والولاءات الخارجية محل المصلحة الوطنية.

ويكفي أن نلقي نظرة على الوضع في لبنان، حيث الدولة موجودة بالاسم فقط، لتتضح الصورة أكثر. فالدولة اللبنانية، التي يُفترض أن تكون المرجعية الوحيدة لجميع مكوّناتها، تراجعت لصالح توازنات طائفية ومصالح فئوية وسطوة السلاح غير الشرعي. انهارت مؤسساتها الواحدة تلو الأخرى: من القضاء، إلى الأمن، إلى التعليم، إلى الكهرباء، إلى العملة الوطنية. وفي ظل هذا الانهيار، بات المواطن اللبناني يشعر أنه متروك لمصيره، بلا ضمانات، ولا عدالة، ولا حماية. الطائفة باتت ملاذًا، والزعيم الطائفي هو “الدولة البديلة”، في مشهد يختزل خطورة ما يعنيه غياب “الكبير”، أي غياب الدولة الفاعلة والعادلة.

التحذير من سقوط الدولة لا يجب أن يُفهم على أنه خطاب سلطوي تقليدي يهدف إلى تبرير الاستبداد أو المحافظة على نظام الحكم القائم. على العكس، هو واجب وطني، وصوت العقل في مواجهة الجنون. ما حدث في سوريا، وما يحدث في لبنان، وما قد يحدث في أي دولة تُفرّط بمؤسساتها، هو مثال صارخ على أن البديل عن الدولة ليس “الحرية”، بل الفوضى، والجوع، والخوف، وضياع الكيان الوطني.

ولهذا، فإن حماية الدولة لا تعني تقديسها أو القبول بكل سياساتها، بل تعني الحفاظ على الإطار العام الذي يتيح تصحيح الأخطاء، وتطوير البُنى، وإصلاح النظام من الداخل. الدولة هي القارب الذي يحمل الجميع، فإذا ثُقِب القارب، غرق الجميع.

لابد من ترسيخ هذه القناعة في الوعي الجمعي، وتحويلها إلى “جين وطني”، تنتقل من جيل إلى جيل، ليصبح المسّ بأسس الدولة خطًا أحمر لا يمكن تجاوزه. يجب أن يعرف كل من تسوّل له نفسه أن يعبث بوحدة البلاد أو مؤسساتها، أن هناك ألف صوت سيردعه، وإن لم يرتدع، فليواجه عواقب أفعاله بالقانون وبالحزم.

نحن لا ندافع عن سلطة، بل عن الدولة. ولا نتمسك بكرسي، بل بمصير شعب. ومن لا يقدّر قيمة الدولة إلا حين يخسرها، فقد تأخر كثيرًا. لذلك، فإن الحفاظ على الدولة هو المعركة الكبرى التي يجب أن نخوضها جميعًا، كلٌّ من موقعه، لأننا ببساطة لا نحتمل ثانية واحدة من غيابها.

المنشورات ذات الصلة