يمرّ لبنان بأيام مصيريّة. ويُعلّق مصيره بورقة وصلت إليه من الولايات المتحدة الأميركية. ولم يعد من مفرّ للدولة اللبنانية سوى تطبيق الدستور وبسط سلطتها على كل الأراضي اللبنانية.
تتحرّك صفائح المنطقة بشكل سريع، وما حدث في السويداء جرس إنذار مبكر يُقرع. ولا يمكن للبنان، البلد الصغير والمنهار، مواجهة الرياح الدولية التي تهبّ. ولا يمكن للحكومة اللبنانية تبنّي نظرة «حزب الله» في موضوع السلاح، وإلاّ ستأخذ بالبلد إلى الانتحار الجماعي.
ويتأثّر لبنان بشكل مباشر بأحداث المنطقة. وتحتلّ سوريا صدارة الأحداث بعد مواجهات السويداء. ولا ينكر أحد الخطر الذي قد يهبّ من الشام في حال لعب «حزب الله» بالنار السورية الحارقة مثلما فعل لحظة دخوله حرب «الإسناد».
وتعلم الحكومة اللبنانية بخطر الوضع في سوريا، ويجري التواصل اليومي بين مسؤولين لبنانيين وسفراء عرب وأجانب. وفي هذا السياق، تؤكّد مصادر دبلوماسية لصحيفة «نداء الوطن» أن الأوضاع في سوريا خطيرة جدًا وتشغل بال المعنيين، وليس في السويداء فقط؛ إذ إنّ أحداث هذه المحافظة تُعد جزءًا من الأزمة الكبرى التي تعيشها سوريا منذ سنوات، ولا سيّما منذ محاولة نظام الأسد قمع الثورة في 15 آذار 2011.
وتؤكّد المصادر أن سقوط نظام الأسد لم يُترجم إلى استقرارٍ في سوريا، إذ إنّ المشكلة في المنطقة لا تقتصر على سوريا فقط، بل تشمل لبنان، خاصة جنوبه، وأزمة النازحين. وتتطلّع الدول الكبرى إلى حلّ شامل، إذ لا يمكن تجزئة الحلول، وهذا ما نشهده على أرض الواقع.
تكشف المصادر أن «الطبخة» الدولية لم تنضج بعد، ولا يوجد حتى اللحظة أي حلّ في غزة، رغم الاتصالات المكثفة والتكرار المتواصل للتأكيد على أن الحل بات قريبًا. ما يثير المخاوف هو ما يردّده مسؤولون كبار وسفراء غربيون وعرب حول أن الأزمة الفلسطينية تحتاج إلى وقت طويل لإيجاد الحلول وإقفال الملف. أما الخطير، فهو احتمال إقفال هذا الملف خلافًا لمصالح العرب والفلسطينيين، أي عبر تصفية القضية الفلسطينية بدءًا من غزة والانتقال إلى المرحلة الثانية في الضفة الغربية، وبالتالي تبقى الأنظار مشدودة إلى ما قد تحمله التطورات المرتقبة في الأردن وسوريا ولبنان.
تشير المصادر إلى أن خوف النائب السابق وليد جنبلاط ممّا يحصل في السويداء كان مبرّرًا، نظرًا إلى قدرته على استشراف المرحلة ومعرفة اتجاهات السياسة العامة. فهو أول من استشعر القلق على دروز السويداء وسوريا، بسبب التصادم مع النظام السوري الجديد.
وتؤكّد المصادر أن المنطقة تعيش في مدار أزمة كبرى وحرب مستمرة، ولا توجد حلول قريبة في الأفق. وسيظل لبنان يعاني داخليًّا، رغم بوادر التحسّن التي تظهر في بعض الأماكن والوقائع، إلا أن عوامل التأزّم لا تزال كثيرة: من سلاح «حزب الله»، إلى ملف الحدود، ووضع سوريا، ومستقبل الأقليات فيها، إضافة إلى الاستهدافات المتكررة.
وتؤدّي الأزمات والحروب المتنقّلة إلى تفكيك المنطقة وتخريبها، ما يفتح المجال أمام الدول الكبرى، وعلى رأسها إسرائيل، للتدخّل تحت شعارات حماية الأقليات، في حين تكون الأهداف الفعلية مختلفة، وتُحتسب وفق مصالح تلك الدول.
تتدخّل دول كثيرة في الملف السوري وفي قضايا المنطقة، ويبقى الغائب الأكبر هو روسيا، وخصوصًا بعد إقصاء نائب وزير الخارجية السابق ميخائيل بوغدانوف، الذي كان مُطّلعًا على هذا الملف وأكّد، قبل أيام من إعفائه، أن سوريا تحتاج إلى عشر سنوات للاستقرار.
ويساهم إبعاد بوغدانوف في تعميق الابتعاد الروسي عن الملفات العربية، إذ كان يُعدّ صديقًا للعرب ويتابع جميع القضايا عن كثب. وقد تمّ قرار الإعفاء بشكل مفاجئ، وبأسلوب يُشبه الطريقة السوفييتية، وجاء ذلك في غياب الوزير سيرغي لافروف عن موسكو بسبب مشاركته في اجتماعات وزراء خارجية دول «البريكس» المنعقدة في البرازيل.
من أوكرانيا إلى الشرق الأوسط، يمرّ العالم والمنطقة بتغيّرات كبرى. وإذا كانت سوريا تعيش أزمة بين الأكثريّة والأقليّات، فإن لبنان يتكوّن من مجموعة أقليّات، جميعها تشعر بتهديد وجودي. وليس أمام هذه الأقليّات سوى خيارَين: إمّا حماية نفسها من خلال الانصياع لمنطق الدولة، وإمّا مواجهة الصدام الذي يبدو واقعًا لا مفرّ منه.