أظهرت بيانات سوق العمل في السعودية تطورًا لافتًا وعلامة فارقة في سجل السوق، تمثل في هبوط حاد لمعدل البطالة بين الإناث السعوديات ليسجل أدني في تاريخ المملكة، ما يعكس التأثير الإيجابي للتوسع في توفير فرص عمل للإناث
وساهم انضمام المزيد من السعوديات إلى سوق العمل في تحقيق هذا المعدل القياسي للتوظيف، حيث انخفض معدل البطالة بين الإناث السعوديات إلى 10.5% وهو أدنى مستوى يُسجل على الإطلاق، ما دفع معدل البطالة بين السعوديين إلى مستوى منخفض غير مسبوق بلغ 6.3% بنهاية الربع الأول من عام 2025، وفقًا لما أظهرته النشرة الفصلية الصادرة أمس عن الهيئة العامة للإحصاء.
وأكد البنك الدولي، أهمية ودور الإصلاحات الهيكلية في تعزيز مشاركة المرأة في القوى العاملة السعودية، بطفرة غير مسبوقة منذ 2016، مشيرًا في تقرير إلى 3 عوامل ساهمت في ذلك تضمنت تغيير اللوائح وإزالة العوائق القانونية وتغير الأعراف الاجتماعية، وثانيًا تنفيذ إصلاحات هيكلية فعّالة، وثالثًا التواصل الحكومي الفعال.
لكن التحسن في توظيف النساء لم يتوقف عند هذا البيانات فقط، بل هو يعكس تحول هيكلي عميق داخل الاقتصاد السعودي، فعلى مدى سنوات، كانت بطالة النساء واحدة من أبرز التحديات في سوق العمل السعودي، بفعل عوامل اجتماعية واقتصادية وثقافية معقدة، لكنها اليوم، تنخفض لأدنى مستوى لها على الإطلاق.
شهدت سوق العمل السعودية العام الماضي توظيف أكثر من437 ألف مواطن ومواطنة، بفضل تدخلات مباشرة من “صندوق تنمية الموارد البشرية (هدف)، الذي ضخ أكثر من 7.5 مليار ريال في التدريب والإرشاد المهني، في ما يمكن وصفه بأوسع تدخلات الصندوق في سوق العمل.
ولعل المؤشر الأكثر دلالة على عمق هذا التحول، هو قفزة السعوديين العاملين في القطاع الخاص إلى 2.45 مليون موظف وموظفة؛ وهو رقم لم يسبق تحقيقه في تاريخ المملكة. هذا النمو يعكس، ليس فقط فعالية سياسات التوطين، بل أيضًا تحوّل النظرة الاجتماعية تجاه العمل في القطاع غير الحكومي، خصوصًا بين فئة الشباب.
وفي ظل المتغيرات الدولية، برزت دول الخليج كنقطة مضيئة في مشهد اقتصادي قاتم بمتوسط نمو للدول الستة يتجاوز 7% ، بقيادة السعودية أكبر اقتصاداتها وأحد أسرع الاقتصادات نموًا حول العالم، بحسب تقرير البنك الدولي.
ولم يكن النمو نتيجة انتعاش أسعار النفط فحسب، بل استمرار نمو القطاعات غير النفطية، نتيجة إصلاحات هيكلية نفذتها دول الخليج لتحسين بيئة الاستثمار، وتعزيز أسواق العمل التي شجعت دور المرأة للانضمام إلى سوق العمل.
في السعودية، زادت مشاركة المرأة في القوى العاملة من 17.4% في 2017 إلى 36.5% في الربع الأول من العام الجاري، بفضل تطبيق الإصلاحات الهيكلية وإجراءات التمكين الحكومي والتوسع في فتح مجالات جديدة للنساء.
ووفقًا للبنك الدولي، استخدمت دول الخليج الإيرادات غير المتوقعة من النفط والغاز لإعادة بناء احتياطاتها، وسداد ديونها، ودعم صناديق الثروة السيادية، وتمكنت من الحد من تأثير التضخم في الاقتصاد المحلي.
وفي 4 دول الخليج شملت السعودية، وقطر، والكويت، وعُمان، سجلت نسبة مشاركة المرأة في سوق العمل نموا ملحوظا خلال 5 سنوات، من 36.5% في الربع الأول من 2019 إلى 40.3% في الربع الأول من 2024، بحسب بيانات للمركز الإحصائي الخليجي.
ويعد تمكين المرأة الخليجية اقتصاديًا من أبرز محاور إستراتيجية العمل الخليجي في مجال القوى العاملة، بدأت ملامحها تظهر عبر زيادة نسب مشاركة النساء في أسواق العمل، خاصة في السعودية التي تصدرت بنسبة 74% من إجمالي العاملات الخليجيات.
رغم هذا التقدم، لا تزال سمة سوق العمل الخليجي يغلب عليها الطابع الذكوري، إذ تشير الإحصاءات إلى أن 79.6% من العاملين في سوق العمل الخليجي هم من الذكور، والسبب الرئيس يعود إلى العمالة الوافدة.
ويؤكد هذا الاتجاه أن مشاركة المرأة الخليجية في سوق العمل تتجه نحو مزيد من التمكين والتوسع، بدعم من السياسات الحكومية التي تسعى إلى تعزيز التنوع والعدالة في بيئات العمل.