آراء حرة – "ايست نيوز"
بقلم: عصام شلهوب
في سابقة خطيرة تكشف هشاشة الدولة اللبنانية وانهيار مؤسساتها، أعلنت جمعية “القرض الحسن” – الذراع المالي المعروف لـ "حزب الله"،– رفضها الصريح لتعميم صادر عن مصرف لبنان يحظر التعامل معها، معلنة بكل جرأة أنها “جمعية خيرية” لا تخضع للسلطة المالية، وأنها ستواصل نشاطها بل وتوسّع فروعها.
هذه ليست مجرد مخالفة إدارية. بل هي إعلان تمرد مالي مكتمل الأركان على المرجعية النقدية الشرعية في لبنان، وتحدٍّ سافر للقانون، وانقلاب فعلي على فكرة الدولة الحديثة.
من هي الجهة الحاكمة؟
في أي نظام مالي محترم، مصرف لبنان هو السلطة التنظيمية العليا التي تُلزم المصارف والمؤسسات المالية بالامتثال لتعليماتها تحت طائلة العقوبات، حمايةً للقطاع وللمودعين وللسيادة النقدية. غير أن “القرض الحسن”، وبتحايل مكشوف على القانون، يختبئ خلف صفة “جمعية خيرية” تتبع لوزارة الداخلية منذ الثمانينيات، ليبرر تهربه من الرقابة المصرفية ومن الالتزام بالشفافية و”اعرف عميلك” ومكافحة غسل الأموال.
أي منطق قانوني يسمح لمؤسسة تمنح قروضًا، وتدير ودائعًا بمئات الملايين من الدولارات، وتفتح عشرات الفروع، أن تعمل خارج إشراف مصرف لبنان؟ هذه مؤسسة مصرفية غير مرخّصة بحكم الواقع، تتحرك كـ”بنك ظل” موازٍ يخترق النظام المالي تحت غطاء “البرّ والإحسان”.
المنظومة تنهار… والسلطة تتفرّج
إن ترك هذه الجمعية تعمل خارج رقابة مصرف لبنان يشكّل جريمة مالية كاملة الأوصاف بحق الدولة والمواطنين على السواء. فالمخاطر لا تتعلق فقط بالمنافسة غير المشروعة مع القطاع المصرفي الشرعي، بل بالمسّ المباشر بأمن لبنان النقدي وبثقة المجتمع الدولي بنظامه المالي.
وتجدر الإشارة إلى أن “القرض الحسن” خاضع منذ العام 2007 لعقوبات أمريكية بتهم تتعلق بتمويل الإرهاب . كما سبق لوكالة “رويترز” أن أشارت إلى استياء مصرف لبنان من تفلّت الجمعية من الضوابط .
فهل تقبل دولة ذات سيادة أن تُنتهك قوانينها جهارًا نهارًا؟ أم أن شريعة الغاب هي التي تحكم هذا البلد المنهك؟
متى تتحرك الدولة؟
لم يعد الأمر مجرد نقاش قانوني. “القرض الحسن” يشرعن اقتصادًا موازيًا، ويفرض هيمنة مالية لمكون حزبي على حساب بقية اللبنانيين. وهذا ما لا يمكن السكوت عنه:
• أولًا: على وزارة الداخلية أن توضح بجلاء الأسس القانونية التي تسمح لهذه الجمعية بإدارة شبكة مالية على مستوى وطني خارج الرقابة.
• ثانيًا: على القضاء المالي التحرك فورًا وفتح تحقيق شامل حول مصادر الأموال، أساليب التمويل، وآليات صرف القروض.
• ثالثًا: على مصرف لبنان أن يذهب أبعد من التعميم، إلى رفع الملف إلى الحكومة وإلى الهيئات الرقابية الدولية.
لا “قرض حسن” في غياب دولة عادلة
لبنان لا يحتمل بعد الآن أنصاف مؤسسات أو “أنصاف قوانين”. إما أن تكون الدولة صاحبة القرار المالي، أو يترك المجال لسلطات موازية تصوغ نظامها المالي الخاص وتفرضه على المواطنين.
ما حدث مع “القرض الحسن” هو امتحان للدولة: إما أن تستعيد سيادتها القانونية، أو تعترف صراحة بانهيارها التام لصالح اقتصاد خفي لا يخضع إلا لحزب وحيد.