عاجل:

بين تموز 2006 وتموزي 2024 و2025 أحداث وخيبات ( الجمهورية )

  • ٥٣

كتب : "جورج شاهين"

تخشى أكثرية اللبنانيين من أن يعيد التاريخ نفسه بسرعة في تموز الجاري، قبل أن يطوي ايامه الأخيرة. فهو، في رأيهم، شهر الشؤم منذ أن شهد الثاني عشر منه عام 2006 شرارة حرب الأيام الـ 33، بعد أسر عسكريين إسرائيليين، وفي تموز الماضي عندما بلغ التوتر أشدّه بفعل تنامي حرب «الإلهاء والإسناد»، التي ظنّ خلالها قادة المقاومة أنّهم قادرون على التحكّم بها من دون أن تشنّ إسرائيل حرباً، قبل أن ينتهي الشهر باغتيال فؤاد شكر في قلب الضاحية واسماعيل هنية في قلب طهران. فماذا عن الأيام المتبقية من هذا الشهر؟

كما نشأت المعادلة بين «حرب العبور» التي شنتها مصر وسوريا، وانتهت بتحرير أجزاء واسعة من سيناء والقنيطرة في الجولان في 7 تشرين الاول عام 1973 وما بعدها بـ50 عاماً عملية «طوفان الأقصى» في اليوم عينه من العام 2023، وحرب «الإلهاء والإسناد» التي تلتها بيوم واحد، يمكن القول إنّ هناك وجوهاً شبه متعددة بين تموزي 2006 و2024، بعد أن أبى الثاني عشر من تموز الأول أن يمر من دون أن يشكّل انطلاق حرب الأيام الـ 33 التي سُمّيت على اسمه، وما بينهما تموز 2023، عدا عن كونه أول أشهر الصيف من كل عام، إلى شهر حافل بالأيام التي ارتبطت معظمها بأحداث عبرت وشهدت محطات عدة.

وبالعودة إلى تموز العام الماضي، كانت كل الأجواء توحي بالكثير من المخاوف. فالعمليات العسكرية في غزة كانت قد بلغت محطات متقدمة، اقترب فيها عدد الشهداء من 25 ألف شهيد فلسطيني، واقترب عدد الأطفال والنساء منهم من النصف، من دون أن تطاول العمليات العسكرية أياً من قادة «حماس» والمنظمات الفلسطينية التي التحقت بالحرب التي تلت إعلان الحربين، من قطاع غزة الفلسطيني الذي يتمتع بما يشبه «الحكم الحمساوي الذاتي» قبل 15 عاماً في اتجاه غلافه، ومن جنوب لبنان حيث كان «حزب الله» يتحكّم بمعظم النقاط الحدودية وقرى الجنوب وجباله وأوديته باتجاه الجليل الأعلى وشمال إسرائيل، وصولاً إلى بعض المدن والمستوطنات والقواعد العسكرية الإسرائيلية في قلب فلسطين المحتلة ومدنها الكبرى، بطريقة اعتقد البعض وظن انّ إسرائيل عاجزة عن الردّ في غزة وجنوب لبنان في وقت واحد.

وعلى وقع مجموعة التحليلات والروايات التي أطلقها مسؤولو الحزب، ومنهم أمينه العام الراحل السيد حسن نصرالله، الذي كان يحصي الألوية والوحدات العسكرية التي خصّصها الجيش الإسرائيلي لتغطية جبهة الشمال ويعزز نظرية «الإلهاء» بإحصائيات تتحدث عن عدد الجنود والدبابات التي نقلها إلى الجبهة، في وقت كان يؤكّد انّ النية غير موجودة لدى الحزب باقتحام الجليل، وأنّ إسرائيل لا تريد توسيع الحرب. وكان بذلك مثل هذا الكلام كافياً لإقناع أنصار الحزب وإيران بأنّ الحزب قادر على اللعب بأعصاب الإسرائيليين، ضامناً بأنّه القوة القادرة على الردع الموازي، وكأنّ العدو الإسرائيلي لا يمكنه ان يواصل عملياته العسكرية على أكثر من جبهة، قبل ان تتعدد وتفيض على الجبهات السبع.

على هذه الخلفيات، لا ينسى المراقبون الذين واكبوا ايام الحرب بمختلف مراحلها والمحطات المأسوية فيها، ومعها المكامن السياسية والديبلوماسية والعسكرية التي نصبت إلى جانب عمليات الغش والخداع التي أتقنها العدو الإسرائيلي في مواجهة نظريات واهية، قصد الموفد الرئاسي الأميركي عاموس هوكشتاين بيروت في تموز 2024 مرّتين، الأولى في بداية الشهر محذراً من مسلسل سقوط «العروض السخية» التي قدّمها لوقف حرب «الإلهاء والإسناد» ووقف تدخّل الحزب فيها، لأنّها لن تكون مجدية. وأبلغ إلى من التقاهم يومها ما بين عين التينة والسراي الحكومي، فيما كان قصر بعبدا خالياً يعيش حالة من خلو سدّة الرئاسة من شاغلها.

كان هوكشتاين صريحاً جداً، ولم يخفِ أمام محدثيه في زيارته التموزية الأولى انّ عروض شباط الماضي انتهت في آذار، وعروض آذار انتهت في حزيران، وانّ المنطقة أمام واقع جديد لا يمكن لجم أحد عن المضي في الحرب. وردّ ذلك إلى انّ إسرائيل نجحت في تسويق نظرية «حربها الوجودية»، وانّ طهران وأذرعها في لبنان وغزة وربما في بلدان أخرى كاليمن وسوريا والعراق، ستدمّرها وتمحوها من الوجود. فتلاحقت مواقف الدعم الدولية العمياء لنصرتها دفاعاً عن أمنها، فيما كانت ترتكب المجازر في حق الفلسطينيين وتفتك بأجساد اطفالهم ومرضاهم ونسائهما ورجالهم العزّل فوق الارض وهم في مستشفياتهم ومراكز إيواء مؤسسات الرعاية الأممية ووكالة «الاونروا» ومعها المعاهد والكنائس. وفيما كانت الأبراج في غزة تهوي ويُستهدف الصحافيون ومكاتب الفضائيات العربية واحدة بعد اخرى، تاركة لمن يتحكّم بهوائها بث السيناريوهات والروايات الكاذبة التي زادت من الحقد على الفلسطينيين ومن يناصرهم.

ولما لم تفلح محاولات هوكشتاين، جاءت الزيارة الثانية ما بين 28 و29 تموز العام الماضي، لتنقل رسالة عالية اللهجة إلى اللبنانيين ومنهم رئيس مجلس النواب نبيه بري، الذي كان يفاوض بالنيابة عن دولة «مغيبة»، رأس سلطتها التنفيذية حكومة تصريف اعمال غير قادرة على القيام بأقل مهماتها، وخصوصاً انّها لم يكن لها أي علاقة بالحرب ومجراها، وقد اكتفت وزاراتها المعنية بإحصاء الضحايا والبحث في ملفات إيواء عشرات الآلاف من المرشحين للنزوح من الجنوب والبقاعين الغربي والشمالي. وأخطر ما حرص هوكشتاين على ابلاغه، انّه ومع نهاية الصيف ستكون الإدارة الديموقراطية عاجزة عن التأثير في مجرى الأحداث، وأنّ رئيسها جو بايدن يكون قد دخل مدار الانتخابات الرئاسية قبل أن يتنازل لنائبته كامالا هاريس، وانّ في تل أبيب رجلاً مجنوناً من «آل نتنياهو».

ولما لم يصدّقه احد، إغتيل من كان يتولّى رئاسة الأركان في الحزب فؤاد شكر في قلب الضاحية في آخر ايام تموز، ولم يطل صباح اليوم التالي إلّا وحمل معه نبأ اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة «حماس» اسماعيل هنية في قلب قصر ضيافة الحرس الثوري الإيراني في طهران. وبعدها اعتكف هوكشتاين عن زياراته المكوكية لبيروت حتى عاد في نهاية المهلة التي حدّدها، فكانت زيارته في 16 ايلول من العام الماضي، ليبلغهم نهاية مطاف التهدئة، طالباً وقفاً للنار من جهة «حزب الله» ولو بمفعول رجعي إن كان ذلك ممكناً، بعدما بات مستحيلاً استدراج نتنياهو إلى مثل هذا الموقف. ولكن كلامه بقي مدار تقدير وحسب من دون ان يقود إلى موقف واضح صريح، وثبت في اليوم التالي أنّ كل شيء قد تبخّر ومعه كل المبادرات الأميركية والفرنسية وخلافها، فتفجّرت شبكة «البايجر» في 17 أيلول وتلتها شبكة الـ «ووكي توكي» في اليوم التالي، وتوالت الاغتيالات، فكانت المجزرة الكبرى بقيادة «قوة الرضوان» وقائدها ابراهيم عقيل و22 قائداً من بين أكثر من 50 شهيداً و66 جريحاً في 20 ايلول، ولم تغب شمس 27 ايلول دون ان يغيب معها أمينه العام السيد حسن نصرالله قبل أيام على اغتيال خليفته السيد هاشم صفي الدين.

وتخشى المراجع الأمنية والديبلوماسية هذه الايام ما تحمله التقارير الاستخبارية المتبادلة بين بعض العواصم، من أن لا يمر تموز الجاري دون مثيل لتلك العمليات العسكرية، ليبقى القلق مسيطراً حتى نهاية بعض المهل القصيرة التي نقلها برّاك الى اللبنانيين. وإلى حينه تحتسب الأحداث المتوقعة يوماً بعد يوم لدى المتشائمين واسبوعاً بعد اسبوع لدى المتفائلين.

المنشورات ذات الصلة