عاجل:

من "قبة البرلمان" إلى "قمة الانتظار": هل وُلدت المُساءلة ميتة؟ | الاتصالات من سيئ إلى أسوأ: التكلفة عالية والخدمة رديئة في بعلبك ـ الهرمل (خاص)

  • ١٢١

خاص ـ "إيست نيوز"

في زمن يُباع فيه الصمت بالتقسيط، شكّلت جلسة مجلس النواب لمُساءلة وزراء الإتّصالات السابقين بطرس حرب، وجمال الجرّاح، ونقولا الصحناوي، سابقة سياسية وإعلامية لا تزال تداعياتها تتردّد في الشارع اللبناني.

فهل نحن أمام مسار جديد على طريق المُحاسبة، أم مُجرّد مُحاولة لامتصاص الغضب الشعبي تمهيداً لحملة انتخابية مُبكّرة؟

منذ لحظة الإعلان عن الجلسة، تعدّدت الأسئلة وتباينت الآراء. فالمواطن اللبناني، المنهك من سياسات الإفلات من العقاب، لم يعد يثق بالاستعراضات. الشكوك بدأت من تركيبة الجلسة نفسها، التي حاصرت المساءلة بثلاثة أسماء فقط، متجاهلة طبقة سياسية كاملة أشرفت على هذا القطاع الحيوي لعقود. كأنّ الانهيار المالي والإداري الذي ضرب قطاع الاتصالات كان نتيجة تواقيع ثلاثة وزراء فقط، لا نتاج تَراكمات وحمايات سياسية مُتعاقبة.

لكن ما هو أبعد من "من يُسائل؟" هو: "من يُحاسِب؟".

هل في لبنان قضاء مُستقلّ قادر على الذهاب في الملفّات إلى خواتيمها، أم أن الطائفية والمرجعيات السياسية لا تزال تمسك بخيوط العدالة؟ من تفجير المرفأ إلى الجرائم المالية، يثبت الواقع أن العدالة في لبنان لطالما كانت حليفة مراكز النفوذ لا حليفة الناس.

وفي ظلّ هذا المشهد، تبرز الحاجة للنظر في الواقع الحالي لقطاع الإتّصالات، ليس من باب التقييم التقني فقط، بل من باب رصد آثار السياسات السابقة والحالية على المواطن. فالخدمة رديئة، الأسعار مُرتفعة جدّاً، والشفافيّة مفقودة. لا يزال اللبنانيون يدفعون "فريش دولار" مُقابل خدمات تنهار مع أول عاصفة، أو تقطع في مناطق بأكملها لأيام مُتواصلة.

وفي حديث خاصّ الى موقع "ايست نيوز" تحدث المُستشار في شؤون تكنولوجيا المعلومات والإتّصالات السيّد عامر الطبش، راسما صورة دقيقة ومُقلقة لما آلت إليه البنية التحتيّة للاتصالات.

وأوضَحَ أن "ضعف الشبكة في المناطق النائية، لا سيّما في أطراف البقاع و بعلبك – الهرمل، يعود بشكل أساسي إلى توقّف الدولة اللبنانية عن الإستثمار في هذا القطاع منذ عام 2019". والجدير ذكره أن منطقة البقاع - الهرمل أيضاً تُعاني من تراجع حادّ في التغطية ، وسط غياب أي خطط جديّة لتحسين البنية التحتيّة فيها".

ويكشف الطبش أن شبكة الإتصالات النحاسية الحالية انتهت صلاحيتها الافتراضية منذ سنوات، وكان يُفترض أن تخرج من الخدمة. ولذلك فإن "ما نحتاجه اليوم هو التحوّل السريع إلى الألياف الضوئية "Fiber Optics"، ليس فقط في المدن، بل في القرى والأطراف، لأن بيروت نفسها تُعاني وكأنها منطقة نائية"، على حد تعبيره.

وعن البدائل المطروحة، يلفت الطبش إلى ،أن مشروع وزارة الاتصالات الجديد الذي يسعى إلى إدخال خدمة "ستارلينك" كحل مؤقت لتغطية الفجوات، بانتظار تأمين التمويل اللازم لإعادة هيكلة القطاع بشكل شامل". ويؤكّد أن "لبنان بلد صغير، وتغطية أراضيه ليست عملية مكلفة من الناحية التقنية، لكن ما ينقص فعلياً هو القرار السياسي والإرادة المالية".

أما في ما يخصّ الجنوب، فالصورة أكثر تعقيداً. يقول الطبش: "من حق أهل الجنوب أن تُعاد إعمار الشبكات التي دمّرها العدوان الإسرائيلي، لكن غياب الوضوح في الوضع الأمني، وعدم التزام العدو بالاتفاقات، يعيقان الاستثمار حالياً، سواء من الدولة أو من الجهات الخاصّة". ويختم بالقول: "الجنوب اليوم منطقة منكوبة، وعلى الدولة أن تتحرّك بحلول مؤقّتة وجديّة، ريثما تنضج الظروف لإعادة بناء البنية التحتية بالكامل".

هذه الشهادة، التي تضيء على الواقع من داخل القطاع، تطرح تساؤلات حقيقية حول فاعلية المساءلة النيابية:

هل هي مجرد استعراض كلامي، أم ستفتح الباب على تحقيقات جدية في الهدر والإهمال والفساد؟

هل ستُفتح ملفّات الصيانة والتلزيمات والمُناقصات المشبوهة؟

هل سنشهد رفعاً فعلياً للحصانات ومُحاسبة قضائية شفافة؟

أكثر من ذلك، إن كانت هذه الجلسة بداية مَسار تغييري فعلي، فلماذا لا تتوسّع لتشمل وزارات أساسية أخرى، كوزارة الطاقة التي التهمت عشرات المليارات دون أن تؤمّن ساعة كهرباء واحدة؟

لماذا لا يُستدعى وزراء التربية، والمالية، والشؤون الاجتماعية لمسائلات مماثلة؟

فالمحاسبة الانتقائية، في وطن يغرق كلياً، ليست عدالة بل مُراوغة.

رغم كل ذلك، لا يمكن إنكار رمزية هذه الجلسة، باعتبارها كسرت محظوراً سياسياً لطالما شكّل جداراً صلباً أمام المُحاسبة. فتحوّل الوزراء إلى مستجوبين علناً تحت قبة البرلمان، ولو شكلياً، هو في ذاته تحوّل لم يكن مُمكناً قبل سنوات قليلة.

إلا أنّ هذه الخطوة، مهما بدت رمزية، ستبقى ناقصة إذا لم تُتبع بإجراءات قانونية ملموسة، وملاحقات حقيقية، وأحكام تُنفّذ لا تُجمَّد في الأدراج. والناس ينتظرون أكثر من كلام. ينتظرون أن يشعروا بأن ما يدفعونه من أموال، يصلهم مقابله خدمة حقيقية. وينتظرون ايضا أن يتوقّف استهلاكهم انتخابياً على أبواب صناديق الاقتراع، وأن تُعامل مناطقهم كجزء من الدولة، لا كأطراف مهملة يُستذكَر أهلها فقط في البيانات السياسية.

المُساءلة بدأت.

لكن مصيرها لا يُقاس بحجم التصفيق تحت القبّة، بل بما ينتج عنها من أفعال وإجراءات.

فإمّا أن تكون بداية استعادة الدولة، أو مُجرّد فصل إضافي في مسرحية طويلة اسمها: "عفا الله عمّا مضى".


المنشورات ذات الصلة