كتب طارق أبو زينب:
وسط اشتداد المواجهة الإقليمية مع “حزب اللّه”، فتحت الكويت جبهة مالية جديدة في وجه الحزب، بإعلانها فرض عقوبات صارمة شملت “حزب اللّه” وجمعية “القرض الحسن” التابعة له، إضافة إلى تجميد الأصول المالية المرتبطة بهما، تنفيذًا لقرارات مجلس الأمن تحت الفصل السابع.
القرار لم يقتصر على المؤسّسات، بل طال أيضًا ثلاثة أفراد من لبنان وتونس والصومال، في خطوة رأت فيها مصادر لبنانية مطلعة لـ “نداء الوطن” أنها تشكّل منعطفًا حاسمًا في سياسة الكويت، ورسالة واضحة بأنّ أيّ نشاط مالي يتصل بـ “الحزب” لن يمرّ بصمت. وقد أُرفق القرار بتعميم رسميّ على المؤسسات المالية والشركات، يقضي بضرورة الالتزام الكامل بالتدابير الجديدة، في إطار مواجهة تتخذ طابعًا أمنيًا واقتصاديًا معًا.
وأكّدت مصادر كويتية مطّلعة لـ “نداء الوطن” أنّ هذه الخطوة جاءت بناءً على توجيهات مباشرة من وزارة الخارجية الكويتية، ضمن اللائحة التنفيذية للعقوبات وتجميد الأموال والموارد الاقتصادية.
وتُعدّ هذه الإجراءات ضربة إضافية لمصادر تمويل “حزب اللّه”، الذي يعاني أصلًا من تضييق مالي مستمرّ. وتلفت المصادر إلى أنّ القرار الكويتي يتكامل مع إجراءات لبنانية حديثة، أبرزها قرار حاكم مصرف لبنان بوقف التعاملات المصرفية مع جمعية “القرض الحسن”، ما يعني تجفيف واحدة من أبرز قنوات الدعم المالي لـ “الحزب”.
وتضيف المصادر أنّ السلطات الأمنية الكويتية تتابع بصرامة أيّ نشاط مالي مشبوه له صلة بـ “الحزب”، وفرضت رقابة مشدّدة على بعض المقيمين اللبنانيين الذين يرتبطون عائليًا أو تنظيميًا بقيادات في “حزب اللّه” داخل لبنان، في مؤشر على أنّ الخطوات الكويتية تتجاوز الجانب الرمزي، وتتجه نحو تطبيق أمني فعلي.
توجّه خليجي نحو إجراءات موحّدة
في السياق نفسه، تشير معلومات إلى أنّ دول مجلس التعاون الخليجي تدرس بجدية إصدار قرار موحّد بفرض عقوبات على جمعية “القرض الحسن”، في خطوة منسّقة تعكس توجّهًا خليجيًا لوقف شبكات التمويل المرتبطة بـ “حزب اللّه”.
وبحسب مصادر كويتية، فإنّ هناك مساعي جدية لتوحيد الجهود الخليجية أمنيًا وماليًا، لقطع الطريق أمام أي تحايل مالي أو استغلال مؤسساتي يمكن أن يُستخدم لتمويل أنشطة “الحزب” في لبنان والإقليم.
أزمة داخلية خانقة تضرب “الحزب”
في لبنان، تأتي هذه التطوّرات في وقت بالغ الحساسية بالنسبة إلى “حزب اللّه”، إذ تشير مصادر مطلعة لـ “نداء الوطن” إلى أن “الحزب” يواجه أخطر أزمة مالية واجتماعية منذ نشأته، أزمة باتت ملموسة في بيئته الحاضنة. وتقول المصادر إنّ القرار الكويتي لم يكن مجرّد إجراء خارجي، بل عرّى تصدّع منظومة الرعاية التي بنى “الحزب” عليها نفوذه، عبر تقديم خدمات التعليم والصحة والدعم المادي المباشر، والتي شكلت لسنوات سياجًا اجتماعيًا يضمن استمرارية الولاء والثقة.
وتتابع المصادر أن قيادة “الحزب” أوقفت بدلات الإيواء، وعلّقت القروض التي كانت تُمنح عبر جمعية “القرض الحسن”، ما دفع العديد من العائلات إلى تحمّل ديون بدلًا من تلقي دعم مباشر. هذا التحوّل لم يمرّ بصمت داخل البيئة الاجتماعية لـ “الحزب”، بل بدأ يولّد تململًا صامتًا قد يتطوّر إلى أزمة ثقة، في ظلّ غياب أفق واضح لإعادة هيكلة الدعم، أو حتى لإعادة إعمار المناطق المتضرّرة.
تأثيرات على البنية القتالية والتنظيمية.
أمّا على المستوى العسكري، فالأزمة لم توفّر حتى صفوف المقاتلين. إذ تفيد تقارير بتقليص في الإنفاق على الجهوزية القتالية، وإعادة توزيع للموارد البشرية داخل “الحزب”. وتحاول القيادة تسويق هذه التغييرات كـ “إعادة تنظيم داخلية”، إلّا أنّ الواقع يُظهر اختناقًا ماليًا حقيقيًا بدأ ينعكس على الأداء الميداني والاستعدادات القتالية.
إيران في موقف صعب والدعم يتقلّص
على خط الدعم الخارجي، لا تبدو طهران في موقع قادر على الإنقاذ. فإيران نفسها تخضع لعقوبات مشدّدة، وتعيش حالة من العزلة الإقليمية والدولية، ما دفعها إلى تقليص دعمها المالي المباشر لـ “الحزب”. ومع إغلاق الطرق البرية وتعليق الرحلات الجوية نحو بيروت، تقلّصت أيضًا القدرة على إيصال الدعم النقدي واللوجستي، ما زاد من عمق الأزمة.
فرصة أم بداية الانهيار؟
مع ذلك، يرى بعض المراقبين في الأزمة الحالية فرصة لإعادة هيكلة داخلية قد تُخرج “الحزب” من نمطه القديم في إدارة موارده، وفتح قنوات تمويل جديدة وغير تقليدية. إلّا أن هذا يتطلّب جرأة في إعادة النظر بالسياسات، وشفافية غير معتادة في العلاقة مع البيئة الحاضنة، التي بدأت تشعر بثقل التراجع الاقتصادي والاجتماعي.
في المحصّلة، يقف “حزب اللّه” اليوم عند مفترق طرق مصيري. فالتحدّيات لم تعد محصورة في الميدان العسكري، بل تمدّدت إلى داخل المجتمع والبيت التنظيمي. فهل يتمكن “الحزب” من تجاوز هذه العاصفة دون أن يفقد تماسكه؟ أم أنّ العقوبات والضغط المالي سيفرضان عليه واقعًا جديدًا لم يعتده من قبل؟