عاجل:

ثمانون الجيش اللبناني... الحدود ما بين القرارين 425 والـ 1701

  • ٢٢٦

بقلم العميد الركن المتقاعد انطون مراد

الكلام عن الجيش اللبناني في عيده هو أمرُ صعبُ وسهلُ في آنٍ. صعبُ لأن الجيش اللبناني يعمل بصمت ويبتعد عن إطلاق الخطابات والبيانات حتى أنه يمتنع عن الرد على الإساءات التي تطاله أحيانًا من السلطات التي من المفترض أن تحميه وتدافع عنه. وسهلُ لأن إنجازات الجيش كثيرة جدًا وفي جميع الميادين العسكرية والعلمية والإنمائية وغيرها، وهي الوسيلة التي يعتمدها بديلاً عن لغة الكلام، لذا، فان الإضاءة على هذه الإنجازات هي أفضل طريقة لتكريم الجيش في عيده.

عند الكلام عن إنجازات الجيش، لا بد من التوقف عند متابعته للحدود اللبنانية وسهره على الحقوق اللبنانية. يوازن بين انضباطه والتزامه بالقرارات السياسية وبين اندفاعه لتغطية عجز أو تلكؤ السلطة السياسية سواء عن تقصير وعدم قدرة من هذه السلطة، أم عن قصد للإختباء خلفه هربًا من تحمل المسؤلية.

في العام 2000، بعد انسحاب العدو الإسرائيلي من جنوب لبنان، سارع الجيش اللبناني إلى تشكيل لجنة من الضباط بمهمة التثبت من الإنسحاب تطبيقًا للقرار 425. خاض الفريق اللبناني مواجهات عاصفة مع الفريق الدولي الذي كان ينوي إنهاء المهمة بسرعة على حساب الدقة إلا أن الفريق اللبناني أصر على الوصول إلى جميع النقاط الحدودية والتثبت منها متحمّلاً خطر الألغام التي كانت موجودة بكثافة على الحدود، ولم تكن "اليونيفيل" متحمّسة لنزعها مراهنةً على نقص قدرات وحدات الهندسة في الجيش اللبناني لكن هذه الوحدات قامت بعمل جبار وفتحت المسالك أمام الفريق اللبناني وكان أهمها المسلك المؤدي إلى مستعمرة المنارة حيث تم نزع 11 لغمًا مما مكّن الجيش اللبناني من الوصول إلى حدود المستعمرة وإزالة الخرق هناك. في الخلاصة، تمكّن الجيش اللبناني من إزالة معظم الخروقات الميدانية وتحرير مساحة 17 مليون متر مربع كان العدو الإسرائيلي يتحضّر لضمها إليه.

في العام 2006، بعد حرب الثلاثة وثلاثين يومًا، شكّل الجيش اللبناني لجنة من الضباط للمشاركة في الإجتماعات الثلاثية التي كانت تعقد دوريًا في رأس الناقورة برئاسة قائد اليونيفيل. انبثق عن هذه اللجنة لجنة فرعية لتعليم الخط الأزرق تطبيقًا للقرار 1701. واجهت هذه اللجنة المحاولات الإسرائيلية للإلتفاف على المرجع الأدق لهذا الخط وهو الخط الأزرق الرقمي Digital blue line وأجبرته على اعتماده في عملية التعليم ونجحت في وضع العلامات على 278 نقطة باعتماد النقاط التي تتطابق مع الحدود الدولية وباعتماد آلية تعليم واضحة ودقيقة ساهمت في الحفاظ على دقة السنتمتر أثناء التعليم. رفضت اللجنة تعليم أية نقطة لا تتطابق مع الحدود الدولية وحددت مناطق التحفّظ بثلاثة عشرة منطقة تم تسليم لائحة بها لليونيفيل وعبره للفريق الإسرائيلي وأصبحت هذه اللائحة معترف بها في الأمم المتحدة وتعتمد كمرجع وكشرط لبناني أساسي في جميع المفاوضات التي يجريها المندوبون الدوليون لإنهاء الأعمال القتالية في الجنوب.

بالإضافة إلى عملية التعليم، ساهم الجيش اللبناني بمعالجة الكثير من الإشكاليات الحدودية التي ساهمت في تحقيق الإستقرار وأهمها:

1- تخطيط وتنفيذ طريق موازٍ للخط الأزرق بهدف اختصار المسافات أمام دوريات الجيش اللبناني من جهة وتسهيل عملية مراقبة الخط الخروقات من جهة أخرى.

2- تنفيذ تدابير إنسانية لحقول الزيتون في بليدا مما ساهم بتسهيل استثمارها من قبل أصحابها دون التعرض لعمليات خطف على يد الجيش الإسرائيلي كما كان يحصل سابقًا.

3- دراسة مشروع بناء جدار من قبل العدو الإسرائيلي عند بلدة كفركلا ومراقبة تنفيذه مما ساهم في كسب مساحات كبيرة شمال هذا الجدار كما ساهم بمنع التوترات التي كانت تحصل هناك.

هذا جزء من الإنجازات التي تمكّن الجيش اللبناني من تنفيذها بصمت وساهمت في تجنيب لبنان العديد من التوترات والمعارك الحدودية. ولكن عمل الجيش لم يكن صامتًا دائمًا، فقد كان الجيش اللبناني جاهزًا دائمًا للدفاع عن الأراضي اللبنانية مهما بلغت التضحيات ونذكر في هذا المجال معركتين خاضهما ضد العدو الإسرائيلي:

المعركة الأولى بتاريخ 27 شباط 2007 مقابل مستعمرة أفيفيم "صلحا" حيث تصدى لقوة إسرائيلية كانت تحاول خرق الخط الأزرق وأجبرها على الإنسحاب من الأراضي اللبنانية.

المعركة الثانية بتاريخ 3 آب 2010 حيث تصدى لمجموعة إسرائيلية كانت تحاول قطع شجرة في الجهة اللبنانية وقد أدت المواجهات إلى سقوط شهداء وجرحى من الجيش اللبناني مقابل مقتل عدد من جنود الجيش الإسرائيلي بينهم آمر سرية.

هذا مختصر بسيط لإنجازات الجيش اللبناني، نفّذها بصمت وبانضباط تام. هذه الإنجازات ستبقى محفورة في الميدان تتكلّم عن جيشنا البطل وتجعلنا نحبّه أكثر، نحترمه أكثر ونتمسّك به أكثر.

صمتك يا جيشنا البطل أقوى بكثير من ضجيج السياسة، تحية إكبار وإجلال لكل فرد من أفرادك. عيدك هو عيد الكرامة الوطنية، دمتم لنا الفخر والضمانة.

المنشورات ذات الصلة