بقلم العميد المتقاعد شربل ابو زيد
وتسألون كيف يستمر لبنان؟ هذا الوطن الرابض على صفيح منطقة متفجرة منذ سايكس- بيكو الى اليوم. السرّ يكمن في جيشه "الضامن للإستقرار والحامي للدستور" عبارة لخّص بها العماد رودولف هيكل مهام الجيش الواردة في قانون الدفاع الوطني.
الجيش الضامن للإستقرار عبر مهام ثلاث: دفاعيّة، أمنيّة، وإنمائيّة إنسانية، تهدف للدفاع عن الوطن، والمحافظة على سيادته وسلطة الدولة، وحماية الدستور، وحفظ الأمن والإستقرار، والمساهمة في تأمين الإستقرار الإجتماعي والتنمية. (المرسوم الإشتراعي رقم 102/1983 وتعديلاته).
لا يستطيع أي جيش في العالم القيام بهذه المهام ما لم تكن لديه عقيدة وطنية محايدة بعيدة عن المحاور السياسية الداخلية، وعلى درجة عالية من التدريب العام والتخصصي الذي يسمح له بالإطلاع بواجباته. وهنا تكمن قوة الجيش اللبناني الذي منذ تأسيسه منذ ثمانين عاماً الى اليوم، برهن عن تفاني قلّ نظيره في تأدية مهامه في أحلك الظروف وأخطرها وأدقّها بانضباط وثقة، ما سمح للسلطات السياسية المتعاقبة، وبالرغم من الأزمات المصيرية والعثرات الكبيرة، من إعادة لملمة أطياف هذا الوطن وتوحيده تحت سقف الدولة والدستور.
منذ نشأته تميّز الجيش اللبناني بتدريبه المكثّف والمتنوع المهارات لرفع وتطوير قدرات العسكريين في كافة الأسلحة والإختصاصات تقنياً وفنياً وعملياتياً، واستنباط الطرق والوسائل المناسبة لمهامه كما حصل في معركة نهر البارد وعملية فجر الجرود، وصولاً إلى إستخدام التكنولوجيا الحديثة ودمجها في القتال التقليدي، الأمر الذي أصبح ركناً أساسياً في الصراعات الحديثة، ما مكنه من التصدي لكل أنواع التهديدات والأزمات بحرفيّة جعلته محط إعجاب كبار قادة اللجيوش في العالم.
على هذا الأساس يتابع الجيش اليوم مهامه الوطنية، بعد حرب مدمرة على الجنوب وضاحية بيروت والبقاع وبعض المناطق، حيث هو القوة الأساس في تنفيذ اتفاق وقف النار والإشراف عليه مع اليونيفيل والقوى الدولية المناط بها ذلك، رغم الصعوبات والتحديات الداخلية والخارجية، مشكّلاً صمّام الأمان والثقة داخلياً، وشريك استراتيجي يركن إليه خارجياً.
من هذا المنطلق يقوم الجيش اليوم بالإنتشار في الجنوب في مهمة هي الأصعب على الإطلاق، لأنها تتضمن مهام متعددة وخطيرة، من تفكيك القنابل الإسرائيلية والعبوات الناسفة وضبط مخازن الأسلحة والذخائر وتأمين القرى لعودة المواطنين، الى الأعمال الهندسية اللازمة لذلك والحفاظ على استقرار الجنوب من العابثين به، والتصدي للخروقات الإسرائيلية، والقيام بدوريات حفظ أمن منفردة أو مشتركة مع اليونيفيل ومنع الإحتكاك مع المواطنين، والتعاون والتنسيق مع اليونيفيل لتنفيذ القرار الأممي 1701 وتطبيق الإجراءات التطبيقية لإتفاق وقف الأعمال الحربية تاريخ 27 نوفمبر 2024 والإشتراك بلجنة وقف إطلاق النار الدولية، والتي يحوذ على ثقتها واحترامها، وتمثيل القرار السياسي اللبناني فيها بدقة وحزم، كما إعادة تركيز نقاط العلام على الحدود والخط الأزرق، تمهيداً لمهمة مستقبلية قد تطلب منه في إعادة تحديد الحدود بين لبنان وفلسطين، والقيام بمناورات عسكرية للبقاء على جهوزية دائمة لمواجهة العدو الإسرائيلي وأي مهمة طارئة.
أما على الحدود الشمالية والشرقية فيقوم الجيش باقفال المعابر غير الشرعية وضبط الشرعية منها وإقامة أبراج المراقبة لهذا الغرض، وحماية القرى الحدودية والأهالي ومنع التهريب على أنواعه، وضبط الوضع الأمني الخاص بالمنطقة، والتنسيق الرسمي مع الجانب السوري لمنع إنفلات الأوضاع رغم تشعب الأمور وخطورتها بين الفصائل المسلحة والعشائر، وضبط مصانع المخدرات والكبتاغون وسواها من الممنوعات وضبط رؤساء العصابات والإرهابين ومكافحة الإرهاب.
داخلياً يقوم الجيش بعمليات حفظ أمن مكثفة وحماية المطار والمرافئ ومنع تهريب الأفراد والممنوعات عبرها، ومكافحة الإرهاب ومساندة باقي القوى الأمنية، ومكافحة الحرائق سنوياً جوياً وبرياً رغم الكلفة والمخاطر.
أمّا الدور الإنمائي والإنساني للجيش عبر مديرية التعاون المدني- العسكري وغيرها، فهو عملٌ على مساحة الوطن دون تفرقة أو تمييز، يظهر دور الجيش الوطني المسؤول والجامع.
هذا غيد من فيض، ويتطلب من الجيش رفع عديده وجهوزيته بحسب القرار السياسي الداخلي والأممي، رغم الوضع الإقتصادي اللبناني المتدهور، والبقاء على الإستعداد للقيام بواجبه وهذا ما يحصل بإيمان وعزيمة وإصرار.
دفع الجيش بتجرد ودون منّة، رغم ضيق العيش، الكثير من الشهداء والجرحى في تنفيذ مهامه، فكان محط تقدير وتنويه قادة الداخل والخارج العربي والغربي. ونذكر تنويه قائد القيادة الوسطى الأميركية مايكل كوريلا للجهود التي يقوم به الجيش، وإعرابه عن دعمه له واستمرار الشراكة الإستراتيجية بينهما، والتقدير البريطاني الكبير لحرفية الجيش في مكافحة الإرهاب والحفاظ على وحدة لبنان واستقراره، والدعم القطري المالي الدائم للجيش، والدعم الفرنسي المتمثل بالقرار الفرنسي لدعم الجيش ب200 مليون دولار ليتمكن من الإستمرار بما يقوم به خدمة للأمن والسلم الدوليين في منطقة أقل ما يقال فيها أنها الأكثر عنفاً وتفجّراً من العالم.
في عيدك الثمانين لك منا جيشنا كل الوفاء يا رمز الشرف والتضحية والوفاء، ولنا ملء الثقة الأمس واليوم وأبداً أنك وحدك سفينة النجاة لوحدة لبنان وشعبه.