استجاب مجلس الوزراء للورقة الأميركية هاملاً الردّ اللبناني عليها، وقرّر في ضوئها تكليف الجيش اللبناني وضع خطة لحصرية السلاح بيد الدولة، وأمهله حتى نهاية الشهر لإنجازها تمهيداً لمناقشتها وإقرارها، على أن تنفّذ في مهلة أقصاها نهاية السنة. وقد انسحب وزيرا «الثنائي الشيعي» من الجلسة التي غاب عنها بقية زملائهما بداعي السفر، فيما تحفّظ وزير ثالث عن القرار. وفيما تقرّر أن يجتمع مجلس الوزراء غداً لمناقشة الورقة الأميركية، سيدرس وزراء «الثنائي» ما حصل في جلسة الأمس ليبني عليه الموقف من هذه الجلسة حضوراً او غياباً. علماً انّ النقاش والسجال في الجلسة تركّزا بينهم وبين رئيس الحكومة نواف سلام، فيما أمسك رئيس الجمهورية العماد حوزاف عون العصا من منتصفها مانعاً انفجار الحكومة او تصدّعها.
إثر انتهاء جلسة مجلس الوزراء قال رئيس الحكومة نواف سلام، إنّه «بناءً على البيان الوزاري لحكومة الإصلاح والإنقاذ، والذي أكّد على أنّ الدولة اللبنانية تلتزم بأمن البلاد ومسؤولية الدفاع عن حدودها وتنفيذ القرار 1701 من دون اجتزاء، وبناءً على ما ورد في خطاب القَسَم لرئيس الجمهورية، وبناءً على إقرار لبنان بإجماع الحكومة السابقة على إعلان الترتيبات الخاصة لوقف الأعمال العدائية، وبعد أن اطلع مجلس الوزراء على ورقة المقترحات التي تقدّمت بها الولايات المتحدة عبر الموفد توماس برّاك، وعلى التعديلات التي أضافتها عليها بناءً على طلب المسؤولين اللبنانيين، قرّر مجلس الوزراء استكمال النقاش في الورقة الأميركية يوم الخميس المقبل(غداً)، وتكليف الجيش اللبناني وضع خطة تطبيقية لحصر السلاح قبل نهاية العام الجاري وعرضها على مجلس الوزراء قبل 31 من الشهر الجاري لنقاشها وإقرارها».
وعلمت «الجمهورية»، انّ الرئيس عون وبعد تأجيله بند حصرية السلاح إلى نهاية الجلسة، طلب توزيع ورقة برّاك الأخيرة على الوزراء، فطلبت وزيرة البيئة تمارا الزين تأجيل البحث فيها، وقالت «انّ ورقة خطيرة بهذا المستوى كيف يُطلب منا البتّ فيها قبل الإطلاع عليها، نحن حكومة تكنوقراط والقرارات السياسية تؤخذ على مستوى سياسي، ثم انّ وزيرين متغيبان، وقائد الجيش غير موجود ورأيه مهمّ جداً». فردّ سلام عليها قائلاً: «سنناقش المبادئ ولن ندخل في التفاصيل». واقترح ان تعلن الحكومة موافقة مبدئية على الأهداف العامة الـ11 الواردة في ورقة برّاك الأميركية. لكن الوزير راكان ناصر الدين ومعه الزين رفضا هذا الاقتراح رفضاً قاطعاً وتحدثا عن مخاطر القبول به. وعندها اقترح رئيس الجمهورية الوصول إلى صيغة تتيح موضوع التأجيل لمزيد من الدرس، فأصرّ سلام ومعه وزراء «القوات اللبنانية» على اتخاذ قرار.
وفي المقابل أصرّ وزراء «الثنائي» على تأجيل البحث، ودار نقاش استمر 4 ساعات، حاول في خلالها وزير الدفاع من موقعه ترحيل النقاش إلى حين حضور قائد الجيش الموجود خارج البلاد، فاقترحت تمارا الزين مجدداً التأجيل واتخاذ قرارات بسلة متكاملة غداً الخميس بعد العودة إلى المرجعيات السياسية. وأجمع عدد كبير من الوزراء من دون «القوات اللبنانية» على عدم تحديد مهل زمنية.
وأكّدت مصادر وزارية لـ«الجمهورية»، انّ الجلسة كانت ممسوكة، ولكن كان من الواضح انّ ضغوطاً خارجية كبيرة مورست عليها وعلى الرئيس سلام للخروج بقرارات، وقد أخذ النقاش بين الوزراء منحى حوارياً مع أسئلة واقتراحات، فيما تعاطى وزراء «الثنائي» بإيجابية عالية. وعند إصرار سلام على تحديد جدول زمني لحصرية السلاح انسحب ناصرالدين والزين، وحاول الرئيس عون وبعض الوزراء ثنيهما عن الخطوة.
وخلال الجلسة وردت على هواتف الوزراء أخبار عاجلة عن مضمون خطاب الامين العام لـ»حزب الله» الشيخ نعيم قاسم، حول انّ السلاح إذا نُزع سيُسلّم لإسرائيل. فعلّق سلام على ذلك قائلاً: «من قال إني سأسلم السلاح لإسرائيل. فعندما كنت في المحكمة الدولية أطلقوا عليّ اسم قاضي حزب الله».
محاكاة الضغوط الخارجية
في غضون ذلك، تساءلت أوساط سياسية عمّا اذا كانت قرارات مجلس الوزراء تندرج في إطار حل يحقق الاستقرار، أم انّها تأتي في سياق أخذ البلد إلى مشكلة جديدة سترتب تداعيات سلبية.
وقالت هذه الأوساط لـ»الجمهورية»، انّ اعلان مجلس الوزراء عن تحديد مهلة زمنية لحصر السلاح قبل نهاية السنة الحالية يحاكي بالدرجة الأولى الضغوط الخارجية على لبنان، لكن ليس معروفاً كيف يمكن للحكومة التقيّد بهذه المهلة ما دام الطرف الآخر المعني بها غير موافق عليها.
ولفتت الاوساط نفسها إلى انّ موقف الأمين العام لـ«حزب الله» الشيخ نعيم قاسم الذي أكّد انّ مسألة المقاومة هي ميثاقية ولا تُحسم بالتصويت، استبق قرارات مجلس الوزراء، ومهّد لرفض التجاوب معها. وحذّرت من استدراج الجيش إلى مشكلة مع «حزب الله»، خصوصاً بعد تكليفه إنجاز خطة تطبيقية لحصر السلاح وعرضها على مجلس الوزراء قبل نهاية الشهر الجاري، والتي سيليها على الأرجح تكليفه تنفيذها.
وأشارت الاوساط إلى انّ الاعتداء الإسرائيلي الذي استهدف بريتال عقب انتهاء جلسة مجلس الوزراء يشكّل تحدّياً وإحراجاً للحكومة التي قرّرت سحب السلاح، فيما هي عاجزة عن حماية لبنان وشعبه.
الجميع تهيّب الموقف
وفي السياق نفسه، أبدت مصادر مواكبة عبر «الجمهورية»، قلقها إزاء المسار الذي سيسلكه ملف سحب السلاح، بعد الذي جرى في جلسة مجلس الوزراء أمس. فالجميع تهيّب الموقف خوفاً من وصول البلد إلى انشقاق سياسي كبير، أو ربما صدامات أهلية لا يستطيع أحد تحمّل عواقبها، خصوصاً في ظل الظروف الإقليمية البالغة التعقيد والسخونة، حيث هناك جبهات ملتهبة ومناطق متوترة على أسس سياسية أو مذهبية أو عرقية. ويمكن أن تكون أولى الضحايا منظومة الحكم التي يعوّل عليها لإنقاذ البلد، أي العهد والحكومة. وبعد ذاك، يغرق الجميع في هوة سحيقة من الخلافات والفوضى.
وقالت هذه المصادر، إنّ مجلس الوزراء أرجأ المشكلة، ولكن الاستحقاق باقٍ، ولا حل في الأفق بعدما برزت المواقف على حقيقتها وفي شكل واضح، وقد توّجها موقف «حزب الله» الذي عبّر عنه الشيخ نعيم قاسم. وستكون العقدة هي فقدان الأمل في الحوار الموعود، الذي أخذه رئيس الجمهورية جوزاف عون على عاتقه، فيما سيواجه الجميع مستوى عالياً جداً من الضغط الخارجي على لبنان، سواء من جانب الولايات المتحدة وحليفاتها أو من جانب إسرائيل.