صحيح أنّ ملف الرشى لتسريع معاملات الطلاب العراقيين طُوي ظاهرياً بقرار الهيئة الاتهامية في شباط 2025، التي صادقت على منع محاكمة المتّهمين، وفي مقدّمهم أمينة سرّ لجنة المعادلات السابقة رئيسة دائرة الامتحانات السابقة أمل شعبان، إلا أنّ معطيات جديدة موثّقة بمستندات رسمية أعادت فتح باب التساؤلات حول مسار التحقيقات، بدءاً من الاكتفاء بالتحقيق الأوّلي والاستنطاقي، مروراً بالتلاعب بالأدلة، وصولاً إلى إقفال الملف بشكل غير قانوني في فرع المعلومات، بأمر من المدير العام السابق لقوى الأمن الداخلي عماد عثمان.
وتكشف المعطيات الجديدة عن وجود تلاعب واضح بإفادات موقّعة من أمانة السرّ السابقة للجنة المعادلات، وغير مدرجة في سجلّ البيانات الرسمية، ولا تتطابق شكلاً أو مضموناً مع النماذج المعتمدة عادة. وقد عُثر على هذه الإفادات داخل أمانة السرّ، واعتمد بعضها كمستند رسمي لإجراء معادلة لشهادة البكالوريا الفرنسية.
وحصلت «الأخبار» على مستندات أظهرت أنّ أمينة سرّ لجنة المعادلات الحالية، سهى طربيه، كانت قد وجّهت كتاباً إلى المدير العام السابق للتربية بالإنابة، عماد الأشقر، في تشرين الثاني 2024، أي قبل أربعة أشهر من تصديق الهيئة الاتهامية على قرار منع المحاكمة بحق شعبان. وفي كتابها، أبلغت طربيه عن العثور على 16 إفادة إنهاء دراسة لصف في المنهج الأجنبي المعادل للصفّ التاسع الأساسي في المنهج اللبناني للعام الدراسي 2019-2020، صادرة عن أمانة سرّ لجنة المعادلات. وأشارت إلى أنّ هذه الإفادات تختلف كلّياً عن النماذج الرسمية، وأنّ سبعاً منها تحمل صورة الطالب وموقّعة من شعبان «عن المدير العام».
وبعدما أجرت سهى طربيه تحقيقاً داخلياً مع الموظفين ودقّقت في الإفادات، تبيّن أنّ لجنة المعادلات في التعليم ما قبل الجامعي لا علم لها مطلقاً بهذا النموذج من الإفادات. وقد أُدرجت المعلومات الخاصة بالطلاب المعنيين على برنامج معلوماتي خاص بدائرة الامتحانات الرسمية التي كانت شعبان ترأسها آنذاك، وليس ضمن سجلّات أمانة سرّ لجنة المعادلات. واللّافت أنّ سبعة من هؤلاء الطلاب لا يظهر لهم أي أثر في سجلّات أمانة السرّ، سواء لجهة هذا النوع من الإفادات أو كأسماء مستفيدة من معادلة تسمح لهم باتّباع المنهج التعليمي الأجنبي.
كذلك، تبيّن أنّ مستلمي الإفادات لم يوقّعوا على دفتر الذمّة، خلافاً للأصول المعتمدة، كما ظهر وجود أسماء مقيّدة في دفتر الذمّة لم يحصل أصحابها على أي إفادة تتعلّق بالمنهج الأجنبي، ولا توجد أسماؤهم في سجلّات لجنة المعادلات. كما أنّ عدداً كبيراً من الطلاب الذين وردت أسماؤهم استلموا إفادات معادلة للبكالوريا الفرنسية، لكن لم تُستخدم الإفادات المطبوعة الرسمية المعتمدة، بل تمّ الاعتماد على «إفادات ترفيع» عوضاً عنها، باستثناء حالة واحدة فقط صدرت فيها إفادة مطبوعة بالشكل المعتمد.
الكتاب حُوِّل إلى دائرة القضايا في المديرية الإدارية المشتركة في الوزارة التي طلبت في أيار 2025 تحديد الأسماء المطلوب الادّعاء عليهم بجرم التزوير مع البيانات الكاملة العائدة لها. وفي حزيران 2025، ردّت طربيه بأنّ أمانة سرّ لجنة المعادلات ليست الجهة المخوّلة بتحديد الأسماء الواجب الادّعاء عليها بجرم التزوير. وتوقّف التحقيق عند هذا الحدّ لينام الملف في الأدراج.
وكشفت مستندات اضافية لـ"الأخبار" عن تناقض لافت في تصرّفات شعبان التي وجّهت في كانون الأول 2019 كتاباً إلى المدير العام للتربية آنذاك، فادي يرق، تطلب فيه إصدار إنذار بحق إحدى المدارس الخاصة، بسبب سماحها لتلميذة بمتابعة دراستها وفق المنهج الأجنبي من دون الحصول على معادلة الإذن اللّازمة. غير أنّ شعبان نفسها عادت، بعد نحو عامين، في آذار 2021، ووقّعت للتلميذة ذاتها إفادة تُعادل دراسة صف في المنهج الأجنبي مع الصفّ التاسع الأساسي في المنهج اللبناني عن العام الدراسي 2019 - 2020، أي عن المدّة ذاتها التي وجّهت فيها الإنذار.
إلى ذلك، كشفت أمانة سرّ لجنة المعادلات الجديدة عن خروقات إضافية في ملفات طلاب «الفرشمان»، إذ تبيّن أنّ عدداً من هؤلاء حصلوا من الأمانة السابقة على معادلات غير مُمكننة، صُدّرت من دون محاضر مكتوبة أو موقّعة من لجنة المعادلات، أو من رئيسها المدير العام للتربية آنذاك، عماد الأشقر، أو وزير التربية السابق عباس الحلبي. وفي المقابل، وُجدت محاضر موقّعة لبعض المعادلات من دون أي مستندات ثبوتية مرفقة.
كما عُثر على عشرات المعادلات لطلاب عراقيين صدرت قبل تاريخ تقديمهم للطلبات. ومن بين هذه الحالات، طالب دخل الأراضي اللبنانية في 2 حزيران 2022، حصل على المعادلة بتاريخ 4 حزيران، رغم أنّ طلبه مسجّل في 30 من الشهر نفسه. وهذه المعطيات برسم التفتيش المركزي وجهاز أمن الدولة المكلّف بمكافحة الفساد في الإدارات العامة.