كتب سعد الياس في “القدس العربي”:
باغت قرار مجلس الوزراء الجريء وغير المسبوق بتكليف الجيش اللبناني وضع خطة تطبيقية لحصرية السلاح بيد الدولة «حزب الله» الذي خرج عن طوره، متهماً الحكومة «بارتكاب خطيئة كبرى في اتخاذ قرار يجرّد لبنان من سلاح مقاومة العدو الإسرائيلي»، معلناً أنه سيتعامل مع هذا القرار كأنه «غير موجود». ودأب «الحزب» على رفع سقف الاعتراض وتحرك مناصروه في الشارع بعد انسحاب وزراء الثنائي الشيعي من الجلسة، واضطرار الوزير الشيعي فادي مكي على الخروج بعد شعوره بالإحراج أمام بيئته وبسبب الضغوط الكبيرة التي مورست عليه.
وهذه هي المرة الأولى منذ عقود يخسر فيها الثنائي الشيعي معركة داخل مجلس الوزراء، بعدما استطاع لسنوات طويلة فرض رؤيته على القرار السياسي للدولة اللبنانية حتى في أيام حكومة الرئيس سعد الحريري، الذي تحمّله قوى سياسية مسؤولية التسويات والتنازلات أمام الثنائي وعدم مواجهة النفوذ المتصاعد داخل الدولة ومؤسساتها وتعطيل الاستحقاقات الدستورية من انتخابات رئاسة الجمهورية إلى تشكيل الحكومات في حال لم يتم الوقوف على رأي «حزب الله».
وعلى الرغم من قرع «الحزب» طبول الاعتراض في وجه رئيس الحكومة نواف سلام، فإن هذا الاعتراض لم يبلغ حد انسحاب وزراء الثنائي من الحكومة وتقديم استقالاتهم كما حصل في عهد حكومة الرئيس فؤاد السنيورة غداة إقرار المحكمة الدولية في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري، بل اقتصر الاحتجاج على الانسحاب من جلسة مجلس الوزراء والتلويح بسلاح «الميثاقية» بعدما جوبه وزراء الثنائي برفض تصحيح القرار الحكومي وتأجيل البحث بملف السلاح إلى حين تقديم الجيش خطته في 31 آب الحالي.
وما أزعج «حزب الله» هو أنه بعدما حاول تحييد رئيس الجمهورية العماد جوزف عون، فوجئ بأن الرئيس هنّأ الوزراء على القرارات المتخذة، قائلاً «في الحكومات السابقة المتعاقبة كانت القرارات تُتخذ كيفما كان، أما اليوم فباتت قرارات الحكومة تتخذ بطريقة أفضل، وها نحن اليوم نتخذ قراراً جديداً خدمة للبنان وشعبه، وأنا فخور بكم» ليعلو التصفيق بعدها في القاعة.
ومَن تابع طريقة تعامل الرئيس عون مع «حزب الله» يدرك أنه بإدارته المفاوضات مع ممثلي «الحزب» على مدى 7 أشهر لم يلقَ سوى تقدم بطيء، في مقابل تسويف وهدر للوقت، جعلته يدفع الكثير من رصيده الشعبي بسبب حرصه على تجنيب البلد أي خضّات وصراعات عبثية وسعيه الدائم لطمأنة بيئة «الحزب» وصولاً إلى تعيين الوزير السابق علي حمية مستشاراً له. إلا أن رئيس الجمهورية عندما وجد أن البلد يمرّ بمرحلة مصيرية وبلغ حافة الهاوية وبات عليه الاختيار بين الانهيار أو الاستقرار، بادر لعدم التفريط بفرصة الانقاذ وقرّر السير بتكليف الجيش اللبناني وهو الأعلَم بقُدراته وضع الخطة التطبيقية لحصرية السلاح من دون أي تهاون، في رد واضح على رفض النيل من هيبة المؤسسة العسكرية وقوتها ودورها وعدم قبول التشكيك بقدرتها على الدفاع عن لبنان وحماية الحدود والسيادة كما يروّج البعض الذي لا يرى ضمانة في وجه إسرائيل إلا بسلاحه الحزبي، رغم أن هذا السلاح لم يحقق لا قوة ردع ولم يستطع أن يحمي أمينين عامين للحزب ولا حتى القرى والبلدات الجنوبية والبقاعية مروراً بالضاحية.
وهكذا بدل أن يستجيب «حزب الله» لنداءات رئيس الجمهورية، وبدل أن يراهن على الدولة اللبنانية وحدها، فضّل رفض قراراتها، ما قد يؤدي لأخذ البلاد إلى مغامرات جديدة واستمرار إسرائيل التذرع بسلاح الحزب بعد تهديد الشيخ نعيم قاسم بتساقط الصواريخ على الكيان في حال نشوب حرب واسعة.
وإذا كان خطاب القسم والبيان الوزاري لم يتحدثا عن المعادلة الثلاثية «جيش شعب ومقاومة»، فآخر ما خرج به الشيخ نعيم هو قوله «إن المقاومة جزء من دستور الطائف ومنصوص عليها هناك، وهي أمر ميثاقي، ولا يمكن لأمر دستوري أن يُناقش بالتصويت، بل يتطلّب توافقاً»، فيما تساءل خصوم «الحزب» عن وجود «الميثاقية» عندما قرّر «حزب الله» شن حربين من دون العودة لا إلى الدولة اللبنانية ولا إلى باقي المكوّنات اللبنانية!
ودعا الخصوم الشيخ نعيم إلى قراءة متأنية لنصوص الطائف لتبيان أنه نصّ عام 1990 على «قيام حكومة الوفاق الوطني بوضع خطة أمنية مفصلة مدتها سنة، هدفها بسط سلطة الدولة اللبنانية تدريجيًّا على كامل الأراضي اللبنانية بواسطة قواتها الذاتية، وأعلن عن حل جميع الميليشيات اللبنانية وغير اللبنانية، وتسليم أسلحتها إلى الدولة اللبنانية خلال ستة أشهر تبدأ بعد التصديق على وثيقة الوفاق الوطني»، وبالتالي لم يذكر اتفاق الطائف بتاتاً كلمة «المقاومة» ولم يستثنها من حل الميليشيات، إلا أنه تم الانقلاب الموصوف على الطائف في زمن الوصاية السورية ثم تم الانقلاب على القرار 1701 ومندرجاته، وليس صحيحاً أن الرئيسين عون وسلام هما الانقلابيان. وبالتالي كان يُفترض تسليم سلاح «حزب الله» كما فعلت «القوات اللبنانية» والحزب التقدمي الاشتراكي و«حركة أمل» منذ عام 1991 والانضمام إلى قطار الدولة بدل تحوير الوقائع والاستمرار بحمل السلاح بذريعة «المقاومة».
يبقى أن التحركات الاحتجاجية لمناصري الثنائي الشيعي في الشارع لا يمكن لها أن تتطوّر في ظل القرار الحازم للجيش اللبناني بمنعها من الخروج من حدود الضاحية الجنوبية إلى المناطق الحساسة المحيطة بها مسيحياً أو سنياً، وإن التهديد بالتعامل مع قرار جلسة 5 آب بحصر السلاح كأنه غير موجود هو المخرج للحزب الذي سيسعى قدر استطاعته لمنع تطبيق القرار.