عاجل:

احتلال غزة لن يُدخل المقاتلين فقط في "فخ الموت" بل أيضاً "دولة إسرائيل" بأكملها (يسرائيل هيوم)

  • ٤٤

كتب يوآف ليمور في صحيفة "يسرائيل هيوم" الإسرائيلية:

ربما يتضح أن قرار الكابينيت احتلالَ مدينة غزة نقطة مفصلية، على الرغم من أنه ليس واضحاً إلى أين سيؤدي؛ فبينما يهدف نتنياهو ووزراء الكابينيت إلى حسْم مصير حركة "حماس"، يتزايد الخوف من أن القرار يمكن أن يحسم مصير إسرائيل نفسها.

وقد ظَهَرَ دليلان على ذلك في نهاية الأسبوع: الأول، قرار ألمانيا - أفضل وأقرب أصدقاء إسرائيل في أوروبا - فرْضَ حظْرٍ على بيع الأسلحة التي يمكن أن يستخدمها الجيش الإسرائيلي في الحرب على غزة. والمعنى العملي للقرار محدود، لأن السلاح الأساسي الذي تشتريه إسرائيل من ألمانيا هو الغواصات، لكن معناه الحقيقي أكبر كثيراً، لأنه يمكن أن يقود إلى تسونامي خطِر.

بعكس الرأي السائد؛ أن إسرائيل يمكنها الاعتماد على السلاح الأميركي وحده، فإن المنظومة الأمنية الإسرائيلية تعتمد أيضاً على العديد من الدول الأُخرى لشراء مكونات حيوية للمنظومات الاستراتيجية وتوريدها، وهذه الآن يمكن أن تكون في خطر، وهو ما يعني ضمنياً إضعاف القدرة الهجومية والدفاعية لإسرائيل.

أمّا الدليل الثاني، فكان في لقاء جرى في إيبيزا، في إسبانيا، بين الوسيط الأميركي ستيف ويتكوف ورئيس وزراء قطر، الشيخ محمد بن عبدالرحمن آل ثاني. ووفق التقارير، فقد ناقش الطرفان صفقة شاملة تؤدي إلى الإفراج عن جميع الأسرى وإنهاء الحرب، بهدف عرْضها خلال أسبوعين على الأطراف المعنية، إلاّ إذا كان الأمر عبارة عن مؤامرة ذكية من بنيامين نتنياهو كي يجنب نفسه تعميق الحرب، ويمكن أن تجد إسرائيل نفسها أمام مطالبة من الرئيس ترامب بالتوصل إلى حل فوري.

إلى جانب الضغط الدولي المتزايد، الذي سيؤدي الشهر المقبل إلى اعتراف متوقَع من دول رئيسية في العالم بدولة فلسطينية، ستُسمع المطالبة بفرْض إنهاء الحرب على إسرائيل، لكن ليس بالشروط التي تناسبها. وقد حذّر مسؤولون في المنظومتين الأمنية والدبلوماسية في الأيام الأخيرة من أن هذا يمثّل خطراً استراتيجياً على إسرائيل، لكن يبدو أن نتنياهو والوزراء تجاهلوا ما سمعوه، تماماً كما تجاهلوا الخشية من أن قرارهم يمكن أن يكلّف حياة أسرى وعدد كبير من الجنود. كما أنهم لم يتأثروا، على ما يبدو، بالتحذيرات بشأن تآكُل القوى البشرية في الجيش النظامي والاحتياط، وتراجُع المخزون التسليحي، وطالبوا الجيش بأن يكون مطيعاً كالشرطة، وكان ذلك أحد التصريحات المذهلة التي قيلت في تلك الجلسة، إلى جانب توبيخ منسق شؤون الأسرى والمفقودين، غال هيرش، بسبب مطالبته بأن تبقى إعادة الأسرى هدفاً أساسياً للحرب.

في الطريق إلى حرب لا نهاية لها

هذه المهمة بقيت فعلاً ضِمْنَ المبادئ الخمسة التي حددها الكابينيت، وجاءت في المرتبة الثانية بعد نزْع سلاح "حماس"، وتلي ذلك بنود كنزع سلاح القطاع، والسيطرة الأمنية الإسرائيلية على كل القطاع، ووجود إدارة مدنية بديلة في غزة لا تشمل "حماس" ولا السلطة الفلسطينية. هذه القرارات تمنح الحكومة مساحة كافية للاستمرار في حرب لا نهاية لها في غزة باسم الحاجة إلى جمْع كل بندقية وقتْل كل مقاتل، كما يمكن أن تقود إسرائيل إلى إدارة عسكرية مباشرة في القطاع، في غياب آلية إدارة بديلة.

في المبادئ التي حُددت، لا توجد مكونات كـ "الاحتلال"، و"الطرد"، و"المدينة الإنسانية"، وهي مصطلحات ترددت مؤخراً بكثرة على لسان وزراء في الحكومة، ولا يُعرف ما إذا تم حذْفُها بناءً على نصيحة قانونيين كبار حذّروا في الأيام الأخيرة من أنّ إسرائيل تسير بوعي نحو وضْع سَتُتَّهَمُ فيه بارتكاب جرائم ضد الإنسانية وربما إبادة جماعية، أو نتيجة ضغط أميركي. أمّا مَن لم يؤثروا في القرار، على ما يبدو، فَهُمْ رؤساء المنظومة الأمنية، الذين عارضوه بالإجماع، وحصلوا حتى على دعْم نادر من رئيس مجلس الأمن القومي، تساحي هنغبي، الذي خرج هذه المرة عن صفوف جوقة التشجيع لنتنياهو.

وعلى ما يبدو، فإن تحفُّظات قادة المنظومة الأمنية تُقْلِقُ نتنياهو أقل من انتقادات وزراء اليمين، الذين يهددون دائماً استقرار حكومته. واستناداً إلى التقارير، فقد اشتبك نتنياهو مع رئيس هيئة الأركان زامير في الجلسة، بعدما قال الأخير إن خطة نتنياهو (التي اعتُمدت في النهاية) يمكن أن تكون "فخاً مميتاً". وزامير على حق طبعاً؛ فهذا لن يكون فخاً مميتاً فقط للأسرى، ولعدد كبير من الجنود، ولآلاف الفلسطينيين، بل أيضاً يمكن أن يكون مميتاً لدولة إسرائيل. ونتنياهو، كعادته، مقتنع بأنه سيعرف كيف يخرج من الورطة هذه المرة أيضاً، لكنه ربما يكتشف أنه ليس هاري هوديني، وأن إسرائيل ليست ساحة سيرك (حتى وإن كانت تتصرف أحياناً كأنها كذلك).

التعلُّم من التاريخ

أشار كبار المسؤولين في المنظومة الأمنية في نهاية الأسبوع إلى الخبرة التاريخية المتراكمة للأميركيين في فيتنام، وأفغانستان، والعراق، وللروس في أفغانستان وأوكرانيا، وحتى للجيش الإسرائيلي في جنوب لبنان. ولم تنجح أي دولة في القيام بما يدّعي الكابينيت أنه سينفذه الآن، وخصوصاً أن وراءنا فعلاً عامَين من الحرب التي أنهكت الجيش، بينما المجتمع منقسم، والشرعية الدولية في أدنى مستوياتها على الإطلاق.

زامير، صاحب الموقف الرافض بوضوح، يمكنه تأخير العملية بصورة كبيرة؛ فالجيش سيحتاج إلى عدة أسابيع للتخطيط، ثم إلى أسابيع إضافية لإجلاء سكان مدينة غزة (نحو مليون مدني) ولتجنيد قوات الاحتياط التي ستضطر إلى العودة مجدداً في فترة الأعياد، خلافاً للوعود بتقصير الخدمة. كما أن اعتقال المتهربين من الخدمة من الجمهور الحريدي يمثّل دائماً ورقة ضغط في يد زامير ورئيس شعبة القوى البشرية، اللواء دادو بار كليفا، من أجل الوقوف في وجه المنظومة السياسية.

الوقت الطويل والتحديات العديدة في الطريق – إلى جانب الضغط الدولي المتوقَع – سيوفران كثيراً من الفرص لتغيير الاتجاه، كما يشتبه وزراء اليمين في أن نتنياهو يعتزم القيام بذلك. وربما يُطرح من جديد على الطاولة إمكان التوصل إلى اتفاق جزئي، على الرغم من أن إسرائيل تبدو وكأنها وضعت نفسها في موقف "الكل أو لا شيء"، وإذا لم يتراجع نتنياهو ويستمع إلى مَن يسعون لمصلحة إسرائيل في الداخل والخارج، فيمكن أن يقود إسرائيل في النهاية إلى أن تبقى بلا شيء.

المنشورات ذات الصلة