عاجل:

"القرض الحسن" في مهب النظريات القانونية والنقدية والصرفية المتناقضة... سيادة وطنية أم استجابة لضغوط خارجية؟ (خاص)

  • ١١٩

هازار يتيم ـ خاص – "ايست نيوز"

في خطوة مفاجئة لكنها غير معزولة عن السياقين السياسي والمالي، أصدر مصرف لبنان قرارًا بحظر التعامل مع عدد من الهيئات غير المرخّصة، على رأسها إحدى مؤسسات الحزب المالية المعروفة بـ "جمعية القرض الحسن". القرار الذي بدا في ظاهره إجراءً تنظيميًا داخليًا ينسجم مع صلاحيات المصرف المركزي في السوق المالية والنقدية، ما زال يخضع لقراءآت قانونية ونقدية وصرفية متناقضة. وفي الوقت الذي رأى فيه البعض انه خطوة في سياق ضغوط أميركية متصاعدة تمارس على الدولة اللبنانية، لا سيما بعد تشكيل حكومة نواف سلام، بهدف تقليص النفوذ المالي للحزب الذي يُصنّف إرهابيًا من قبل واشنطن يرى فيه اخرون خطوة مهمة لمواجهة الشبكات والجمعيات غبر القانونية بهدف مكافحة تبييض الاموال.

إجراءآت وعقوبات = سجال حاد!

وفي الإجراءآت التي طالت "القرض الحسن"، أعلنت وزارة الخزانة الأميركية 3 تموز 2025 أن مكتب مراقبة الأصول الأجنبية (OFAC) فرض عقوبات جديدة طالت سبعة مسؤولين كبار وكيانًا واحدًا مرتبطًا بمؤسسة "القرض الحسن". وهي خطوة تلت ادراج هذه الجمعية على قائمة العقوبات الأميركية منذ عام 2007، ما يطرح تساؤلات حول التوقيت الجديد والتصعيد الحاصل الآن.

القرار اللبناني لم يأتِ بمعزل عن هذا المناخ ان احتسبت المواقف التي تؤكد على صوابية القرار في مقابل تلك التي تصر على اعتباره استجابة مباشرة للضغوط الأميركية،. وكلاهما ربطا بكل ما انتهت اليه الحرب التي اندلعت في اكثر من ساحة من ساحات المنطقة في أعقاب أحداث 7 تشرين الاول 2023، والتي غيّرت موازين القوى على أكثر من جبهة.

سجال داخلي حاد

القرار لم يمرّ مرور الكرام، بل أشعل سجالًا واسعًا ما زال مستمرا في الأوساط اللبنانية، بين من يراه إجراءً قانونيًا ضروريًا لحماية النظام المالي من الانهيار، وبين من يعتبره اعتداءً على العمل الأهلي والمجتمعي ومحاولة لتجفيف منابع الدعم لبيئة المقاومة.

ومن أبرز الأصوات المعترضة، كان موقف "حزب الله" الذي رأى في القرار استهدافًا مباشرًا له، ضمن سياق إقليمي أوسع لضرب "مقومات الصمود" في لبنان، اقتصاديًا واجتماعيًا.

قماطي: تحريض داخلي وإملاءات خارجية

للإجابة عن هذا السؤال، لا بد من العودة إلى الصفة القانونية لجمعية "القرض الحسن". فعضو المجلس السياسي في "حزب الله" الوزير السابق محمود قماطي، شدد في حديثه الى موقع ـ"إيست نيوز"، على أن الجمعية "مرخّصة قانونًا وتعمل في تقديم قروض بدون فوائد لتسهيل شؤون الناس المعيشية والتجارية". وأضاف أن "الجمعية لا علاقة لها بمصرف لبنان، ولا تتعامل معه أو تستفيد من خدماته".

وأكد قماطي أن خدمات "القرض الحسن" تشمل جميع اللبنانيين من مختلف الطوائف، وقد اكتسبت ثقة شريحة واسعة من المواطنين، خصوصًا في ظل انهيار النظام المصرفي التقليدي.

ورأى أن القرار "يندرج في إطار الإملاءات الخارجية، ويستند إلى تحريض داخلي، ويحمل اتهامات باطلة لا تمتّ إلى حقيقة عمل الجمعية بصلة"، معتبرًا أنه "يستهدف البيئة المقاومة" بشكل واضح.

ضاهر : تعميم مصرف لبنان قانوني

ومن وجهة نظر قانونية ثانية ومختلفة قال القاضي السابق المحامي فرنسوا ضاهر لموقع "ايست نيوز": "إن تعميم مصرف لبنان يستند الى أحكام قانون النقد والتسليف فهو قانوني بإمتياز. وقد حظّر التعميم المذكور تعامل المؤسسات المصرفية والمالية والصرفية الرسمية التعامل مع الشركات المالية والصرفية والجمعيات التي لا تحمل ترخيصاً رسميّاً بمزاولة أعمالها من مصرف لبنان والتي هي واقعة تحت العقوبات الدولية للاشتباه بتبييضها الأموال. تحت طائلة ملاحقتها امام هيئة التحقيق الخاصة التابعة لمصرف لبنان، وكأنها في حال تعاملها تُعتبر متدخلة في جرائم التبييض المنسوبة الى تلك الكيانات المالية غير الشرعية".

واضاف ضاهر: "اما جمعية القرض الحسن فإنها، على ما يبدو، مرخصة بعلم وخبر صادر عن وزارة الداخلية كونها تعمل في الشأن الاجتماعي. غير أن نشاطها الفعلي هو العمليات المالية بتغذية نقدية من الجمهورية الاسلامية الايرانية، الذي هو مال يدخل الى لبنان بصورة غير شرعية، كما هو محظور دولياً لوقوعه تحت خانة التبييض. الامر الذي بات يستوجب سحب الترخيص المعطى لهذه الجمعية من وزارة الداخلية."

وانتهى ضاهر الى القول: "يبقى أن ما تضمنّه التعميم المذكور كان معمولاً به من دون تدوينه في تعميم علني رسمي يصدر عن مصرف لبنان. اما تطور علاقة السلطة بمؤسسات "حزب الله" لجهة عزمها على مواجهتها جهاراً باتت تستسهل إصدار مثل هذا التعميم".

صالح يسأل: هل يملك المصرف المركزي هذه الصلاحية؟

من ناحية مالية وتقنية، طرح القرار في بعض الاوساط إشكالية واضحة تتعلّق بحدود صلاحيات مصرف لبنان في منع التعامل مع جمعيات مرخّصة رسميًا. وفي هذا الإطار، أوضح مدير المحاسبة في وزارة المال سابقا الدكتور أمين صالح، أن "القرض الحسن" ليس مصرفًا بالمعنى القانوني، وبالتالي لا ينطبق عليه قانون النقد والتسليف".

وأوضح "أن المصارف، بحسب القانون، تستقبل الودائع وتعيد إقراضها بفوائد، وتحقق أرباحًا من الفارق بين الفوائد على الودائع والقروض، وهذا النموذج لا ينطبق على "القرض الحسن"، الذي لا يتلقى ودائع ولا يفرض فوائد".

ورأى صالح "أن القرار سيؤثّر بالتأكيد على عمليات الجمعية، إذ يمنع المصارف وشركات الصيرفة من التعامل معها، لكنه لا يمنح مصرف لبنان الحق في منع الأفراد من إيداع أموالهم أو الحصول على قروض منها، قائلًا: "هذا تدخل في حرية المواطنين وحقهم في اختيار الجهة التي يودعون فيها أموالهم".

ولم يكتفِ صالح برأيه القانوني، بل قدّم راياً سياسيًا، مشيرًا إلى أن القرار "ليس تقنيًا ولا إداريًا، بل هو قرار سياسي بامتياز، نابع من سياسة دولية معادية للمقاومة في لبنان والمنطقة".

واعتبر أن "الهدف الحقيقي هو تجفيف مصادر تمويل "حزب الله"، كجزء من مشروع غربي للهيمنة على المنطقة، ومواجهة كل القوى الرافضة للتطبيع مع إسرائيل". وأردف: "لا يريد الغرب في هذه المنطقة إلا من هو متعاون مع محوره، وهذا القرار اللبناني ليس إلا رسالة للخارج، وتحديدًا للولايات المتحدة: نحن نقوم بما تطلبون منا".

وختم صالح قائلاً إن الظروف الإقليمية، خصوصًا بعد تصاعد التوتر بعد 7 أكتوبر، "دفعت بعض الأطراف اللبنانية إلى اتخاذ قرارات لم تكن تُتخذ في السابق"، مشيرًا إلى أن السؤال الآن هو: هل سيكون استهداف "القرض الحسن" خطوة أولى نحو نزع سلاح المقاومة، أم أن المشروع يتجاوز ذلك وصولًا إلى تطبيع تدريجي؟


المنشورات ذات الصلة