عاجل:

رسائل لبنانية "مُشفّرة" من قناة "خليجية" إلى "حزب الله" و"العالم"(خاص)

  • ١٤٠

خاص – "إيست نيوز"_هازار يتيم

سجّلت قناة "العربية" السعودية ومنصاتها الإعلامية في الأيام الأخيرة، تصاعدًا ملحوظًا في استضافة شخصيات لبنانية تنتمي إلى الطيف المعارض لسلاح "حزب الله"، في ما بدا كجزء من استراتيجية إعلامية سياسية منسقة، تهدف إلى إيصال رسالة مدروسة الى الداخل اللبناني والخارج العربي والدولي، مفادها: "أن هناك شبه إجماع وطني على ضرورة نزع سلاح الحزب وحصر القرار الأمني والعسكري بيد الدولة".

الراعي وثوابت البطريركية...

أحدث الإطلالات والتي كانت الأكثر رمزية جاءت من البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي، الذي استضافته قناة "العربية"، في خطوة دأبت عليها القناة من فترة لأخرى. الراعي، وفي موقف يُعد من الأكثر حدة تجاه سلاح الحزب، قال بوضوح إنّ "أبناء الطائفة الشيعية سئموا الحرب ويريدون العيش بسلام"، مشيرًا إلى أنّ هناك "إجماعًا وطنيًا حاسمًا على تنفيذ قرار نزع سلاح حزب الله"، في ما يُعد رسالة مباشرة إلى الداخل الشيعي وإلى حلفاء الحزب، بأن المعركة لم تعد طائفية بل وطنية بامتياز.

كلام الراعي لم يأتِ من فراغ، بل يعكس تراكمًا في مواقف البطريركية المارونية خلال السنوات الأخيرة، ويمنح الغطاء الديني للطرح السيادي، ما يضفي ثقلاً مضاعفًا على الخطاب المناهض لـ "هيمنة" السلاح.

عون، سلام، وباسيل

في موازاة المواقف الدينية، استضافت "العربية" أيضًا كلًا من رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون، ورئيس الحكومة نواف سلام، ووزير الخارجية يوسف رجي، كما رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل. المفارقة البارزة تمثلت في تصريح باسيل الذي، وعلى الرغم من تاريخه كحليف لـ "حزب الله"، تحدث بوضوح عن ضرورة حصر السلاح بيد الدولة، ما يشير إلى استمرار التحول السياسي في تموضع التيار الوطني الحر من ضمن المشهد اللبناني "المتغير" منذ اعلان موقفه الرافض من حرب "الإلهاء والإسناد".

أما العماد جوزاف عون ونواف سلام، فأتت مواقفهما كجزء من محاولة لإعادة ضبط بوصلة الدولة، في ظل الانهيار الاقتصادي والمؤسساتي، وتحت ضغوط إقليمية ودولية لإثبات أن السلطة السياسية قادرة على الإمساك بزمام السيادة إن وُجد الدعم المناسب.

جعجع وريفي و"تجدد"

وفي السياسة تصدّر رئيس حزب "القوات اللبنانية" سمير جعجع هذا الخطاب، بمواقفه التي جعلت منه رأس حربة المواجهة السياسية مع الحزب، متوافقا مع كتل نيابية ومنها كتلة "تجدد" السيادي، والنائب المستقل أشرف ريفي ونواب آخرين، يرفعون سقف المواجهة تحت عنوان "‘ستعادة الدولة المخطوفة".

لكن اللافت أن هذه الإطلالات لم تقتصر على السياسيين فقط، بل شملت رموزًا دينية وشخصيات رسمية بارزة، بما يعكس توسّع هذا الخطاب خارج الاصطفافات السياسية والحزبية التقليدية.

تجاوز الاصطفاف التقليدي

الواضح أن هذه الإطلالات لا تأتي عفويًا، بل ضمن خطة إعلامية – سياسية ذات أبعاد إقليمية، تُستخدم فيها المنصات الخليجية، وعلى رأسها "العربية"، كمنابر لإعادة تظهير الخطاب السيادي في وجه سلاح الحزب، من منطلق أن تحجيم نفوذ الحزب يشكل شرطًا أساسيًا لأي دعم خليجي للبنان.

واضح ان الرسالة موجّهة إلى الداخل كما إلى الخارج، وهي تقول بوضوح أن هناك قوى لبنانية من كافة المشارب، سياسية ودينية ومدنية، بدأت توحيد خطابها على قاعدة "الدولة أولًا"، في محاولة لاستعادة الثقة الدولية والخليجية بلبنان، ومواجهة واقع الانهيار والانقسام.

معركة على الشرعية والسيادة

في ظل هذا المشهد المتشابك، يجد لبنان نفسه أمام "صراع شرعيتين": شرعية الدولة التي تطالب بحصرية السلاح والسيادة، و"شرعية المقاومة" التي يرفعها حزب الله كغطاء لبقاء سلاحه. ومع انخراط شخصيات رسمية ومرجعيات دينية في هذا الاشتباك، يبدو أن المعركة تتجه نحو إعادة رسم التوازنات السياسية والمعنوية في البلاد.

القيادة السياسية الحالية، بوجهيها الرئاسي والحكومي، تحاول الحفاظ على التوازن، لكنها تسير على حبل مشدود بين الحاجة للاستقرار وبين ضغط المجتمعين العربي والدولي لإحداث تغيير فعلي في بنية القرار اللبناني.

هل يبدأ التغيير من الإعلام؟

ما يجري على منابر الإعلام، لا سيما الخليجي منه، لم يعد مجرد نقل وتغطية وتسويق آراء، لا بل بات موجها بطريقة مدروسة، وتحوّل إلى أداة ضغط وتحشيد وتثبيت سردية معينة. خلطت بين الابعاد السياسية والحزبية والدينية للمواقف، وتسويقا لـ "خطاب نزع السلاح أكثر عمقًا واتساعًا"، ما يفتح الباب أمام مرحلة جديدة من الصراع في لبنان.

ويبقى السؤال الأساسي مفتوحًا: هل سينجح هذا التراكم الإعلامي والسياسي في إحداث اختراق فعلي يعيد الاعتبار لمفهوم الدولة؟ أم سيبقى مجرد انعكاس لغضب متنامٍ يُقابَل بجدار ممانع يحترف إدارة الوقت والتوازنات؟


المنشورات ذات الصلة