يواصل قطاع التأمين في المملكة العربية السعودية تسجيل أعلى معدلات النمو بين دول مجلس التعاون الخليجي، مدفوعًا بإصلاحات تنظيمية وتوسع في الطلب على منتجات التأمين، إلا أن هذا النمو لا يخلو من تحديات جوهرية تهدد توازن السوق واستدامة الشركات الصغيرة.
ووفقًا لتقرير حديث صادر عن وكالة التصنيف الائتماني “إس آند بي غلوبال”، فإن السوق السعودية تتسم بتركيز مرتفع، حيث تهيمن خمس شركات كبرى على ما بين 70% و75% من إجمالي الإيرادات والأرباح. هذا التركيز يضع 21 شركة أخرى في موقف تنافسي صعب، إذ تعاني من هوامش ربحية منخفضة، ما يجعلها عرضة للاندماج أو الخروج من السوق.
ورغم أن الوكالة توقعت تباطؤًا نسبيًا في نمو الإيرادات خلال عام 2025 لتتراوح بين 10% و15%، إلا أن هذه النسبة تظل إيجابية مقارنة ببقية دول الخليج. كما أشار التقرير إلى أن معظم شركات التأمين السعودية تتمتع بتصنيفات ائتمانية قوية تتراوح بين A و+BBB، مع نظرة مستقبلية مستقرة.
لكن التحديات لا تتوقف عند تركّز السوق، إذ يواجه القطاع أيضًا منافسة سعرية حادة، خاصة في مجالي تأمين المركبات والتأمين الصحي. هذه المنافسة تؤدي إلى تقلبات دورية في الأسعار، وتضغط على الأرباح التشغيلية، حيث تسعى الشركات إلى جذب العملاء عبر خفض الأسعار، ما ينعكس سلبًا على جودة الخدمة وربحية القطاع.
أما التحدي الثالث، فيتمثل في تشديد الرقابة التنظيمية، لا سيما فيما يتعلق بمتطلبات الملاءة المالية. وقد دفعت هذه المتطلبات العديد من الشركات الصغيرة إلى البحث عن فرص للاندماج، في محاولة لتعزيز مراكزها المالية والامتثال للمعايير الجديدة. ومنذ عام 2018، شهدت السوق السعودية عدة صفقات اندماج واستحواذ، ويتوقع أن يستمر هذا الاتجاه خلال عام 2025.
وفي هذا السياق، كشفت “إس آند بي غلوبال” أن ثماني شركات تأمين سعودية منخرطة حاليًا في مناقشات بشأن صفقات دمج محتملة. إلا أن هذه الصفقات تواجه تحديات تتعلق بعدم التوافق على تقييم الشركات أو سعر الصفقة، إضافة إلى اختلاف الرؤى المستقبلية بين الأطراف المعنية.
ورغم هذه التحديات، يبقى قطاع التأمين السعودي في موقع قوي نسبيًا، مدعومًا بإصلاحات تنظيمية، وزيادة الوعي التأميني، وتوسع في الطلب على المنتجات التأمينية، ما يعزز فرص النمو المستقبلي، خاصة للشركات القادرة على التكيف مع متغيرات السوق.