عاجل:

السلاح الفلسطيني في لبنان: اولى الخطوات "الشجاعة" منذ الغاء "اتفاق القاهرة" (خاص)

  • ٧٢

جوي ب. حداد ـ خاصّ - إيست نيوز

مع بداية مسلسل تسليم السلاح الفلسطيني العائد لبعض الفصائل الفلسطينية في مخيمات بيروت والجنوب في الساعات والايام القليلة الماضية، لا يزال الملف الفلسطيني في لبنان يعد واحداً من أكثر الملفّات تعقيداً وتشابكاً في المشهد اللبناني، إذ يتداخل فيه السياسي بالأمني، والإنساني بالإقليمي. فمنذ نزوح مئات الآلاف من الفلسطينيين إلى لبنان بعد نكبة 1948، بقيت أوضاعهم محكومة بالحرمان من الحقوق المدنية والاجتماعية، ومكبّلة بقيود قانونية منعتهم من التملّك والعمل في قطاعات واسعة.

لكن ما زاد المشهد تعقيداً هو السلاح الفلسطيني الذي تمدّد داخل المخيمات منذ نهاية الستينيات، ليتحوّل إلى أحد أعقد العناوين التي تعترض قيام الدولة اللبنانية بواجباتها السيادية. وكان ذلك قبل ان يبدأ مسلسل تسليمه الى الجيش اللبناني قبل ايام قليلة وفق خطاوت شجاعة غير مسبوقة بعد تسليم.

جذور الأزمة: من اتفاق القاهرة إلى ما بعد الحرب

دخل السلاح الفلسطيني إلى لبنان في أواخر الستينيات، وترسّخ حضوره مع توقيع اتفاق القاهرة عام 1969 الذي منح الفصائل الفلسطينية حرية العمل المُسلّح انطلاقاً من المخيّمات. وعلى الرغم من إلغاء الاتفاق رسمياً عام 1987، بقي السلاح قائماً وازدادت تشعباته بعد خروج منظمة التحرير من لبنان عام 1982. فمنذ ذلك الحين، تحوّل المخيم إلى فضاء أمني مغلق، ممنوع على الدولة الدخول إليه، فيما توزّع السلاح بين فصائل مُتعددة بعضها مرتبط بمحاور إقليمية متناقضة.

المخيمات اليوم: جزر أمنية وهواجس متبادلة

يُعاني لبنان حالياً من انهيار اقتصادي غير مسبوق وأزمات سياسية متلاحقة، وهو ما جعل أي خلل أمني داخل المخيّمات يتردّد صداه خارجها بسرعة كبيرة. في المقابل، يبرّر قادة الفصائل تمسّكهم بالسلاح بكونه "ضرورة لحماية المخيمات" و"حق الدفاع عن النفس"، في ظل غياب أي ضمانة أمنية أو سياسية لمستقبل اللاجئين.

لكنّ هذا الواقع جعل المخيّمات الفلسطينية أقرب إلى جزر أمنية خارجة عن سلطة الدولة، حيث تنتشر الأسلحة الفردية والمتوسطة، وتندلع بين حين وآخر اشتباكات دامية كما حصل في مخيم عين الحلوة أخيراً. وهنا، يبرز هاجس لبناني مشروع: كيف يمكن الحفاظ على السيادة والاستقرار في ظل وجود مسلحين غير خاضعين لأي سلطة رسمية؟

بداية مسار أم خطوة شكلية؟

وما ظهر واضحا ان تسلم الجيش كميات كبيرة من الاسلحة من مخيم البص الجنوبي بعد ايام على الخطوة الأخيرة التي تمثّلت في تسليم بعض الفصائل دفعة أولى من السلاح الفردي في مخيم برج البراجنة إلى الجيش اللبناني، حملت في طياتها رسائل متناقضة. فمن جهة، اعتُبرت خطوة إيجابية كسرت الجمود وأعادت فتح النقاش حول ملف ظلّ مؤجلاً لعقود. ومن جهة أخرى، رآها مراقبون "رمزية وشكلية"، لا تكفي لإحداث فرق حقيقي في المشهد الأمني.

وقال مصدر أمني لبناني قالَ لـ"إيست نيوز" إنّ "المرحلة الأولى من تسليم السلاح تعكس نية حسنة لكنها محدودة الأثر، والمرحلة الثانية هي الامتحان الفعلي، إذ يُفترض أن تشمل أسلحة متوسطة وثقيلة لا مجرد مسدسات وبنادق فردية". ويُضيف المصدر: "إذا توقفت العملية عند حدود هذه الخطوة الشكلية، فلن يكون هناك أي تغيير نوعي على الأرض".

الفصائل بين حسابات الداخل وضغوط الخارج

الانقسام الفلسطيني يفاقم المشكلة. فبينما تحاول حركة "فتح" الإبقاء على هيمنتها داخل المخيمات، تسعى حركة "حماس" وفصائل أخرى إلى تعزيز حضورها بدعم إقليمي. هذا التباين يجعل التوصل إلى موقف فلسطيني موحّد من ملف السلاح مسألة شبه مستحيلة، في ظل تضارب المصالح والانتماءات.

من ناحية أخرى، لا يمكن فصل هذا الملف عن الحسابات الإقليمية. فبعض الفصائل الفلسطينية في لبنان مُرتبطة بمحور إيران وحزب الله، فيما تحاول أطراف أخرى الحفاظ على علاقاتها بالسلطة الفلسطينية والدولة اللبنانية. وبالتالي، فإنّ أي مسار لنزع السلاح أو تنظيمه يحتاج إلى توافق سياسي إقليمي قبل أن يكون اتفاقاً محلياً.

الشاويش: خطوة نحو الإستقرار

يؤكّد مسؤولون فلسطينيون ولبنانيون أنّ ملف تسليم السلاح لم يعد مجرّد شعار أو خطوة شكلية، بل هو قرار رسمي وجاد من الجانبين. وبعد الزيارة الأخيرة للرئيس الفلسطيني محمود عباس إلى لبنان، أصبح هذا القرار في إطار التنفيذ العملي، وإن تأخر تطبيقه بعض الوقت.

وفي حديثه لـ "إيست نيوز"، علّق رئيس اللقاء الشبابي اللبناني- الفلسطيني أحمد عبد الله الشاويش بالقول: "إنّ السير في هذا الملف هو خطوة شجاعة على طريق الأمن والاستقرار، تحفظ حقوق الفلسطينيين وتؤمّن سلامة لبنان، وتغلق الباب أمام كل محاولات العبث بمصير المخيمات".

وأضافَ الشاويش أنّ "الحديث عن مخاوف داخل المخيمات من أن يؤدي تسليم السلاح إلى استهداف اللاجئين ليس سوى تهويل يراد منه زرع القلق وخدمة بعض المستفيدين من فوضى السلاح"، مُشدداً على أنّ «مصلحة الجميع، لبنانيين وفلسطينيين، تقتضي أن يكون السلاح الشرعي الوحيد تحت سلطة الدولة اللبنانية".

مُعاناة اللاجئين بين المطرقة والسندان

وسط هذا الصراع السياسي والأمني، يبقى اللاجئون الفلسطينيون الخاسر الأكبر. فهم محرومون من أبسط حقوقهم المدنية، ويعيشون في ظروف معيشية صعبة داخل مخيمات مكتظة تفتقر إلى البنى التحتية. كما يجد العديد من الشباب أنفسهم عرضة للتجنيد من قبل الفصائل، ما يحوّلهم إلى وقود لصراعات لا تنتهي.

ولذلك، فإنّ أي معالجة لملف السلاح لا بد أن تترافق مع مقاربة شاملة للواقع المعيشي والقانوني للاجئين، كي لا تتحوّل المخيمات مجدداً إلى بؤر قابلة للانفجار.

نحو مرحلة ثانية؟

اليوم، يقف لبنان أمام مُفترق طرق. فالمرحلة الأولى من تسليم السلاح قد تمت بالفعل، ولو بحدود شكلية، لكنّ الأنظار تتجه إلى المرحلة الثانية: هل ستكون أكثر جدية وتشمل أسلحة نوعية وتترجم بتعاون أوسع بين الجيش اللبناني والفصائل؟ أم أننا سنشهد تكرار سيناريوهات الماضي حيث تُفتح الملفات لإقفالها مجدداً؟

إنّ "الملفّ الفلسطيني في لبنان" ليس مجرد قضية لاجئين أو نزاع داخلي في المخيمات، بل هو ملفّ سيادة وأمن وحقوق إنسان في آن واحد. والسؤال يبقى مطروحاً: هل يتحوّل تسليم السلاح هذه المرة إلى بداية تسوية تاريخية تنهي عقوداً من التعقيد، أم أنّه مُجرّد محطة جديدة في مسلسل إدارة الأزمة لا أكثر؟

المنشورات ذات الصلة