عاجل:

المحروقات "عالقة" بين المؤسسة والدولة... العلي لـ"ايست نيوز": "الكهرباء" من مؤسسة تقرض الدولة الى مرحلة الافلاس (خاص)

  • ٧٣

خاص – "إيست نيوز"

عصام شلهوب

في خضمّ الجدل القائم حول آلية شراء المحروقات لمعامل الكهرباء في لبنان، تتكشف حقائق تعود جذورها إلى عقود مضت. ملفٌ لا يقتصر على نزاع إداري بين مؤسسة كهرباء لبنان ووزارة الطاقة، بل يختصر مسارًا طويلًا من التحولات التي رسمت علاقة المؤسسة بالدولة منذ ما قبل الحرب الأهلية حتى يومنا هذا.

مؤسسة رابحة قبل الحرب

في حديث خاص مع موقع "إيست – نيوز"، يوضح مدير الدراسات السابق في مؤسسة كهرباء لبنان، المهندس الدكتور رجا العلي، أنّ المؤسسة كانت في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي مؤسسة رابحة بامتياز. آنذاك، لم تكن فقط تؤمّن الكهرباء للبنانيين، بل كانت تحقق فوائض مالية لدرجة أنّها أقرضت الدولة نفسها، ووفّرت مداخيل ثابتة للخزينة.

لكن مع اندلاع الحرب الأهلية تبدّلت المعادلات. دخلت المؤسسة مرحلة الخسائر الكبيرة، ومعها فقدت تدريجيًا موقعها كمرفق عام قوي ومستقل، ليتحول الملف الطاقوي إلى أحد أبرز ميادين التجاذب السياسي والمالي.

استقلالية تحت الرقابة

ويلفت العلي إلى أنّ مؤسسة كهرباء لبنان، منذ إنشائها في ستينيات القرن الماضي، وُلدت كـمؤسسة عامة ذات استقلالية مالية وإدارية، تخضع لما يُعرف بـ ”الرقابة اللاحقة”. هذه الرقابة تترجم بوجود ممثلَين إلزاميين في مجلس الإدار وهم: المراقب المالي عن وزارة المالية ومفوّض الحكومة عن وزارة الطاقة، وحضورهما كان ضروريًا في كل الاجتماعات حيث تُتخذ القرارات المصيرية. وبهذا التوازن بين الاستقلالية والرقابة، تمكنت المؤسسة من أداء دورها الحيوي في فترات سابقة، قبل أن تعصف بها الأزمات المتتالية وتُدخلها في دوامة العجز.

تحوّلات التسعينيات: الدولة تمسك بالملف

وأضاف العلي: مرحلة التسعينيات كانت محطة مفصلية. بعد اتفاق الطائف وتشكيل أول مجلس إدارة للمؤسسة بعد الحرب، جرى التوصل إلى اتفاق بين مؤسسة الكهرباء من جهة، ووزارتي الطاقة والمالية من جهة أخرى. بموجب الاتفاق، أصبحت الدولة هي التي تتولى شراء المحروقات، على أن تمتنع المؤسسة عن رفع التعرفة مباشرة.

هذا الترتيب بدا في ظاهره دعمًا للمواطن، لكنه في العمق حمّل الخزينة أعباءً هائلة. فالكهرباء كانت تُباع بأقل من كلفتها الفعلية، فيما الهدر وسرقة التيار ينهشان بالمداخيل. وبذلك، تحوّل الدعم إلى نزيف مالي، أفقد المؤسسة دورها الطبيعي وفتح الباب واسعًا أمام الهدر والفساد.

عودة الصلاحيات تدريجيًا

 وشدد العلي على أنّ القوانين لم تمنع المؤسسة يومًا من شراء المحروقات بنفسها. والدليل أنّها في عام 2023 عادت لتُدخل تعديلًا على التعرفة الكهربائية، بالتفاهم مع وزارتي الطاقة والمالية وموافقة مجلس الوزراء. كان العلي حاضرًا حينها داخل المؤسسة، وسجّل خمس ملاحظات على تلك التعرفة، لم يؤخذ بها جميعًا، لكن بعضها جرى تعديله لاحقًا.

قانون الشراء العام يغيّر المعادلة

اليوم، مع دخول قانون الشراء العام (2023) حيّز التنفيذ، أصبحت الصورة أوضح: كل مناقصة، صغيرة كانت أم كبيرة، باتت خاضعة لرقابة هيئة الشراء العام. وبذلك، استعاد القانون شيئًا من التوازن بين استقلالية مؤسسة الكهرباء وحق الدولة في الرقابة.

ويختم العلي بالقول: “إن مؤسسة كهرباء لبنان، بما تملكه من خبرة وخصوصية، قادرة اليوم على إدارة ملف شراء المحروقات وفق الأصول القانونية المستحدثة. وإذا ما طُبّق هذا الإطار بجدية، فإنه قد يضع حدًا لجانب من مكامن الهدر التي كبّدت اللبنانيين أثمانًا باهظة لعقود طويلة”.

بين الأمس واليوم، يظهر أنّ مؤسسة كهرباء لبنان لم تكن يومًا مجرد مؤسسة تقنية، بل كانت انعكاسًا لتوازنات سياسية واقتصادية. إعادة ملف المحروقات إلى المؤسسة قد لا يكون مجرد خطوة إدارية، بل قرار يعيد الاعتبار للقانون، ويمنح اللبنانيين أملًا بقطاع طاقة أكثر شفافية وعدالة.


المنشورات ذات الصلة