عاجل:

بالصور: بين مطرقة قلّة المتساقطات وسندان الجفاف.. بحيرة القرعون تعيش وضعاً خطيراً (خاص)

  • ٢٤

خاص- "إيست نيوز"

كتبت عبير درويش

يُواجه لبنان أسوأ موجة جفاف في تاريخه الحديث، حيث انخفضت تدفقات المياه إلى بحيرة القرعون خلال موسم الأمطار الماضي إلى حوالي 45 مليون متر مكعب فقط، مقارنةً بمتوسط سنوي يقدر بـ 350 مليون متر مكعب. وبلغت التدفقات السنة الماضية، حوالي 230 مليون متر مكعب؛ ما يؤكد عمق الأزمة الحالية، أما المخزون المتبقي في البحيرة يبلغ نحو 61 مليون متر مكعب، لكنه غير قابل للاستخدام بسبب التلوث الشديد. وأظهرت البيانات الرسمية، تراجع المخزون من 152.748 مليون متر مكعب العام الماضي إلى 57.264 مليون متر مكعب هذا العام، ما يعني خسارة تفوق 62.5% خلال عام واحد فقط.

لبنان وموجات الحرّ الشديد

وشهد لبنان في منتصف شهر آب موجة حر غير مسبوقة استمرت لأيام عدة حيث سجلت الحرارة 46 درجة في البقاع، وأكد العديد من خبراء الطقس في لبنان أن البلد دخل حقبة المناخ المتطرف نتيجة الاحترار العالمي او الاحتباس الحراري، ما يُضاعف من مشكلة الجفاف وشح المياه التي عانى منها لبنان في الـ 2025 نتيجة تراجع كميات المُتساقطات بشكل كبير في موسم الشتاء.

وأشار الخبير البيئي ضومط كامل رئيس حزب البيئة العالمي في حديث خاص إلى "إيست نيوز" إلى ان "لبنان شهد للمرة الأولى موجة حارة غير مسبوقة سببها ظاهرة الاحترار العالمي، فالكتل الهوائية الجافة التي ضربت لبنان حينها كانت مُشبعة بحرارة عالية ما أدى إلى تسجيل أرقام قياسية وكانت المناطق الجبلية والداخل اللبناني الأكثر تأثرا بهذه الموجة".

الانحباس الحراري.. مناخ لبنان

 وحذّر كامل إلى أنّ تأثير الإنحباس الحراري على مناخ لبنان خطير جداً، وهذه السنة تأخرت المتساقطات من تشرين أول وحتى نصف أيلول، أي 140 يوم تأخر ةهي ليست فترة هيّنة على المناخ في لبنان وتأثيره السلبي على مكونات الحياة. وهذا أدى إلى موت كثير من النباتات وإنخفاض كبير بالثروة المائية، والأنهار أصبحت صرف صحي وصناعي بإدارة وإرادة الدولة اللبنانية، مما جعل من المواطن اللبناني يشرب مياه الصرف الصحي مع مادة الكلور.

يُضاف إلى ذلك، أنّه بسبب ندرة المياه والينابيع وإنخفاض منسوبها بشكل كبير أدى إلى إرتفاع نسبة التلّوب بشكل كبير، وسبب ذلك أنّ مياه الصرف الصحي متداخلة مع المياه الجوفية.

وأوضح كامل إلى أنّ المياه الجوفيه شهدت إنخفاضاً خطيراً في المياه ومن أجل هذا تداخلت معها مياه الصرف الصحي والمياه المالحة ولا يوجد من ينظفها، ولا يوجد حسيب أو رقيب وخصوصاً إستعمالهم للأمن الإستراتيجي المائي.

وتابع كامل قائلاً إنّ الأمور زادت سوءاً بسبب غياب الإستراتيجية وحماية الحياة البيئية مما سبّب في دمار البيئة في لبنان والمثال على ذلك بحيرة القرعون. أمّا بخصوص التغيير المناخي، فشدد كامل على أنّ هذا التغيير طال لبنان من بابه الواسع وجعله يدخل فلك "تغيير المناخ العالمي". وأكبر دليل على ذلك، ما يعيشه لبنان من العام 2010 إلى اليوم. وكمثال على ذلك، الثلوج التي يجب ان تكون على قمم الجبال على إرتفاع 500 م، هي الآن على إرتفاع 2000 م وهذا يعكس سوء الأحوال الجوية. بالإضافة إلى ذلك، كان يجب أن يكون هناك تساقط أمطار بالدورة الجويّة التي يجب أن تُصيب لبنان من حيث فاعلية الأمطار في 13 و14 كانون الثاني من هذا العام، وأن تزيد من فاعلية المتساقطات، ولكن هذا لم يحدث مما أدى إلى تأخّر الثلوج.

بحيرة القرعون.. والأنظمة البيئية في خطر

وحذّر كامل أنّ ما تشهده بحيرة القرعون ومعها الأنظمة البيئية سببه اختلاف في الزمن من حيث تتابع الفصول وهذا "الزمن إنضرب"، فمثلا هذا العام لم يكن هناك فصل خريف ولم يكن هناك متساقطات. وغداً فصل الربيع يصبح صيفاً وهذا يعني أنّ أشهر الشتاء ستقلّ وأغلبية الفصول ستكون صيفاً. ولفت النظر إلى أنّه في كانون الثاني كانت الحرارة الخارجية 20 درجة مئوية على الساحل، وهذا يُعتبر أمر غير طبيعي بأي شكل من الأشكال. وإعتبر كامل أن التدهور الخطير في الحياة المائية والشاطىء البحري ولاسيما لجهة إدارة مياه الصرف الصحي. فهناك 65 مجروراً يذهب مباشرة إلى البحر وبشكل غير مدروس وبكميات كبيرة دون معالجة فعلية. وتابع أنّه يوجد في لبنان 50 محطة تكرير معظمها لا يعمل والتي تعمل هي على عدد أصابع اليد، والمناطق التي تكرر مياه الصرف الصحي وكمثال على ذلك محطة حمّانا تعود تعود وتصب المياه المكررة في نهر بيروت، ومحطة التكرير في زحلة تعود وتكب مياهها في نهر الليطاني. وشدد على أنه المطلوب هو وزير بيئة يضرب بقبضة من فولاذ ويُقف هذه المجزرة بحق البيئة في لبنان، وأن يأخذ قرارت كبيرة تحمي البيئة والمواطن اللبناني من هذا التدهور الحاصل وغير المقبول.

وفي السياق نفسه، قال كامل إنّ وزراء البيئة في لبنان مسؤولون عن التدهور البيئي الحاصل والخطير والذي دمّر الدولة اللبنانية بكل أطيافها. وشدد على انّ الشعب اللبناني بكل أطيافه من أعلى الهرم إلى أسفله يشربون مياه الصرف الصحي مع كلور، ويأكلون الخضار والفواكهة التي يتم سقيها بمياه "المجارير". لذلك حان الوقت لرفع الصوت عالياً وخصوصا أنّ هناك عهد جديد ويجب حماية البيئة والمواطن ومنع هذا التدهور الحاصل في بلدنا.

الثروة الحرجية في خطر

وحذّر كامل من أنّ "تدمير الثروة الحرجية في لبنان من خلال قطع الأشجار الذي يحصل في عدد من البلدات ومن قبل بعض البلديات ساعد على التمدد الحراري وتسبب بحرائق متنقلة نشهدها يوميا"، مشيراً إلى غياب الوزارات المُختصة مثل البيئة والزراعة والداخلية فيما يتعلق بكارثة تدمير الثروة الحرجية التي تحصل حالياً في لبنان.

المحاسبة.. ضرورة

وطالب كامل بمحاسبة كل من يقطع الأشجار بطريقة عشوائية ومن دون مراقبة، مشيرا إلى انه "يُسمح بقطع الأشجار في شهري كانون الأول والثاني وما يجري حاليا هو جريمة بيئية".

وأوضح ان "الأشجار تمتص الحرارة العالية وتمنع الحرائق"، ونبّه إلى ان "الوضع في السنوات المقبلة سيكون أخطر بكثير مما هو عليه اليوم بسبب التغيرات المناخية ما يستوجب من الدولة وضع استراتيجيات على الأرض لتفادي هذه الكارثة البيئية".

التداعيات البيئية والاقتصادية والإنسانية

1-الزراعة والأمن الغذائي

أدى الجفاف إلى تقلص مساحة بحيرة القرعون وظهور الأرض الجافة وتحللّ النباتات – ما يضرب مباشرة الإنتاج الزراعي في سهل البقاع ويؤثر على الأعلاف والرعي، حيث حوالي 20% من الأراضي المروية في البقاع الغربي تضررت، ولا سيما محاصيل القمح والعدس والحمص والشعير.

2-الطاقة الكهرومائية وأزمة الكهرباء

ما ساعد في تفاقم الأزمة، تعطّل محطات الطاقة الكهرومائية المرتبطة بسد الليطاني، مما أدى إلى خسائر مالية وازداد تقنين التيار الكهربائي من 20 ساعة إلى أقل من 10 ساعات يومياً، وهذا أدى إلى إنتاج الكهرباء الكهرومائية تراجع من 720 مليون كيلوواط/ساعة إلى 270 مليون فقط، ما تسبب بخسارة تقدر بـ 27 مليون دولار على مؤسسة كهرباء لبنان وعلى قطاع الطاقة بشكل عام.

3-المياه المنزلية وتلوث بيئي متفاقم

استمرت حالات نقص المياه المنزلية حيث تقلصت ساعات الضخ إلى نصفها تقريباً. وكان التلوث المتراكم في البحيرة، نتيجة ضخ مياه الصرف الصحي ومخلفات غير معالجة، يجعل المخزون الحالي غير صالح للاستخدام بالرغم من وجوده فعلياً.

ويٌعتبر سوء إدارة الموارد المائية، كما يشدد المدير العام للمصلحة الوطنية لنهر الليطاني الدكتور سامي علوية، من مُضاعفة تأثير التغير المناخي على الوضع الحالي. ويقول علوية إنّ "السنة المائية 2025 تُعتبر من الأكثر جفافاً في تاريخ حوض الليطاني وسد القرعون".

أمّا حل من وجهة نظر علوية يكمن في "تزويد البقاع شبكات ومحطات صرف صحي وتشغيلها فعلياً، بما يسمح بإعادة استخدام المياه المعالجة وضخها مجدداً في النهر على نحو آمن".

وشدّد على أنّ "المطلوب تطبيق قانون المياه، وحسن إدارة الموارد، وتفعيل مؤسسات المياه الأربع، وإلا سنبقى أمام دولة عاجزة عن معالجة مجارير مواطنيها، وما نعيشه اليوم من جفاف وتلوث ليس إلا البداية".

ما هو رد الجهات المعنية؟

أعلنت وزارة الطاقة والمياه عن إطلاق حملة وطنية للتوعية بضرورة ترشيد الاستهلاك خلال عشرة أيام من الأزمة، كما اقترحت إدارة علوية مشاريع محطات معالجة الصرف الصحي لإعادة استخدام المياه وتقليل التلوث المدمر للبحيرة

الخُلاصة.. بحيرة القرعون تختنق.

المؤثر: الجفاف والتغير المناخي

النتيجة: تدني خطير وغير مسبوق في مستوى المياه

المؤثر: التلوث والضغط على المياه الجوفية

النتيجة: جعل مياه البحيرة غير صالحة للاستعمال

المؤثر: النفاد الحاد في المخزون

النتيجة: انخفاض يتجاوز 62.5% خلال عام

المؤثر: توقف الطاقة الكهرومائية

النتيجة: أزمة كهرباء وخسائر ملموسة

المؤثر: تهديد القطاع الزراعي

النتيجة: انخفاض الإنتاج والأمن الغذائي

المؤثر: تقنين المياه المنزلية

النتيجة: ضغط على الإمدادات للمواطنين

تصوير: عباس سلمان


المنشورات ذات الصلة