خاصّ – "إيست نيوز"
جوي ب. حداد
مع اقتراب العام الدراسي الجديد ٢٠٢٥-٢٠٢٦، يواجه آلاف التلامذة وعائلاتهم في لبنان ضغوطاً غير مسبوقة.وأقساط المدارس الخاصّة ارتفعت إلى مُستويات تفوق قدرة مُعظم الأسر، بينما المدارس الرسمية تقلّص أيام التعليم إلى أربعة فقط. في ظلّ هذه المُعادلة، يبدو أن العام الدراسي على وشك الانهيار، ما لم تتحرّك الدولة بخطّة عاجلة لدعم التعليم والمعلمين.
الأهالي يصرخون: "القسط صار مُستحيلًا"
بين شهادات الأهالي تتكرّر المأساة نفسها. تقول رانيا، وهي أم لثلاثة تلامذة: "القسط تجاوز ٥١ الـ مليون ليرة للمرحلة الابتدائية، وبلغ نحو ٥٨,٧٥٠,٠٠٠ ليرة للمرحلة الثانوية، بالإضافة إلى صندوق دعم بالدولار يتراوح بين ٢٣٨٠ و٣١١٥ دولار. هذا مبلغ يفوق طاقتنا، وإذا استمرّ الوضع على حاله سأضطرّ إلى سحب أولادي من المدرسة."
سمير، أب لطالبين في المرحلة الثانوية، يضيف: "القسط باتَ أعلى من راتبي السنوي. لم أعد أُفكّر في شراء الكتب أو القرطاسية، بل في كيفية تأمين الطعام. قد أمتنع هذا العام عن تسجيل أولادي."
أما ليلى، والدة طفل في المرحلة الابتدائية، فتؤكّد: "الإدارة طلبت جزءاً من القسط بالدولار النقدي، موزّعاً على دفعات تمتدّ حتى نيسان ٢٠٢٦. من أين نأتي بهذه المبالغ ورواتبنا بالليرة؟"
جويس، أم لطفلين في مدرسة خاصّة، تقول بلهجة ساخرة:"أشعر أنّني في سباق يومي مع الأقساط والرواتب. أحيانًا أشعر أن التعليم أصبح سلعة، لا حقاً أساسيّاً لأطفالي. لو كنت آلة لطباعة الدولار، لم أكن لأتمكّن من اللحاق بالسرعة المطلوبة لتغطية كل الأقساط!"
هذه الأصوات تُعبّر عن آلاف العائلات العاجزة عن تحمل العبء، ما ينذر بتسرب مدرسي واسع.
أقساط المدارس الخاصّة للعام الدراسي ٢٠٢٥-٢٠٢٦ (تقديرية حسب المرحلة)
- المرحلة الابتدائية: 51,000,000 ل.ل. + 2,380$
- المرحلة المتوسطة: 55,000,000 ل.ل. + 2,750$
- المرحلة الثانوية: 58,750,000 ل.ل. + 3,115$
*ملاحظة: الأقساط موزّعة على عدة دفعات حتى نيسان ٢٠٢٦، ويُطلب جزء منها بالدولار النقدي، ما يزيد العبء على العائلات.
التعليم الرسمي: أيام أقلّ ومناهج مُختصرة
الأزمة لا تقتصر على التعليم الخاصّ وحده. فوزارة التربية قررت تمديد العمل بأربعة أيام دراسية في المدارس الرسمية بدلاً من خمسة، بحجة العجز عن دفع مُستحقّات المعلّمين وبدلات النقل. هذا القرار يطرح تحديات عدّة أبرزها:
تقليص المناهج بما ينعكس سلباً على مستوى الإمتحانات الرسمية.
زيادة الفجوة مع التعليم الخاص الذي يحافظ على دوام كامل.
تحميل الأهل أعباء إضافية، إذ سيحتاجون لمن يرعى أولادهم في اليوم الخامس.
المدارس: لسنا الجهة المسؤولة عن الأزمة
في المُقابل، تؤكّد إداراة إحدى المدارس الخاصّة لـ "إيست نيوز" أنّها لم تتّخذ قرار رفع الأقساط إلا اضطراراً، بفعل التكاليف التشغيلية المُتصاعدة. وتقول: "نحن نَتفهّم مُعاناة الأهالي، لكنّنا نعيش الضغوط نفسها. إذا لم نتمكّن من دفع رواتب الأساتذة وتأمين المصاريف الأساسية، فلن نستطيع الاستمرار."
إدارات أخرى تُحذّر من أن إقفال أي مدرسة قد يؤدّي إلى كارثة إضافية، إذ لا قدرة للقطاع الرسمي على استيعاب أعداد جديدة.
الإطار القانوني والزيادات المتفاوتة
تُبرّر المدارس جزءاً من الزيادات بالقانون الذي أُقر في أيار ٢٠٢٥، والذي فرض التصريح عن الراتب الكامل للأستاذ (الراتب الأساسي + المبالغ الإضافية من صندوق الدعم) ودفع كل المُساهمات للصناديق مع ضريبة الدخل. كما يفرض القانون مُساهمة ٦% من المدرسة و٦% من الأستاذ، ما رفع الأعباء على الطرفين.
الأمين العام للمدارس الكاثوليكية الأب يوسف نصر أوضح أن اتحاد المدارس الكاثوليكية أصدر توجيهاً غير إلزامي بأن تتراوح الزيادة بين ٢٠ و٢٥% فقط، في مُحاولة للحد من الفوضى. لكن الواقع يُظهر تفاوتاً كبيراً:
في بعض المدارس الكاثوليكية: بين 20 و50 مليون ل.ل. + 1500–2000 دولار.
في مدارس خاصة أخرى: بين 115 و150 مليون ل.ل. + 3000–5000 دولار.
في مدارس نخبويّة: تفوق الـ150 مليون ل.ل. وأكثر من 10 آلاف دولار.
هذا التفاوت يعكس انقساماً طبقياً حادّاً، ويطرح أسئلة حول دور الدولة في ضبط الحدّ الأقصى للأقساط.
لجان الأهل: رفض واستنفار
منذ اللحظة الأولى، علت أصوات لجان الأهل رفضاً للزيادات، إذ اعتبرت أن المدارس تُمارس استباقاً للقانون 515 الذي ينظّم الموازنات المدرسية ويُلزم وضعها مع نهاية الفصل الأول (كانون الأول). بعض اللجان أعلن صراحةً رفضه توقيع أي موازنة قبل أوانها، مُتهماً إدارات المدارس بتحميل الأهالي كلفة الأزمة.
المعلّمون: "نريد حقوقنا كي نستمر"
المعلّمون بدورهم يرفعون الصوت. فالكثير منهم لم يعد راتبه يكفي لتغطية بدل النقل وحده. يقول أحد الأساتذة:
"نحن لسنا ضدّ الأهالي، لكننا نطالب بحقوقنا كي نتمكن من الصمود. إذا لم تُعدّل الرواتب، فلن نستطيع الحضور إلى الصفوف."
مُعادلة تُهدّد التربية برمّتها
الأزمة اليوم لم تعد مُجرّد نزاع بين الأهل والمدارس، بل تحوّلت إلى أزمة وطنية تمسّ مستقبل جيل كامل. فالأقساط ترهق العائلات، والتعليم الرسمي يتراجع في الجودة والمدّة، والمعلمون يئنّون من الغلاء. وفي غياب أي رؤية إصلاحية، يصبح التلميذ هو الخاسر الأول.
دعوة إلى خطّة إنقاذ عاجلة
الكل متّفق على أن التعليم هو آخر ما يجب التفريط به في لبنان. لكن من دون تدخل الدولة عبر صناديق دعم مخصصة، وتوفير موازنات إضافية للتعليم الرسمي، وضمان حقوق المعلمين، ستتفاقم الأزمة. فالمدارس لا تستطيع الاستمرار من دون أقساط، والمعلمون لا يمكنهم الصمود من دون رواتب، والأهالي عاجزون عن الدفع.
المُعادلة واضحة: لا مستقبل من دون تعليم، ولا تعليم من دون خطة إنقاذ. والسؤال الكبير يبقى: هل يتحرّك المعنيون قبل أن يُقرع الجرس على عام دراسي "مجهول المصير"؟