عاجل:

بين "الاحتياط" و"الاستعمال المؤقت"... أي خيار يتحكم بـ "المعدن الأصفر"؟ (خاص)

  • ٦٣

خاص –"إيست نيوز"

كتبت عبير درويش

يمتلك لبنان واحدًا من أكبر احتياطيات الذهب في الشرق الأوسط، يُقدّر بأكثر من 286 طناً (نحو 10 ملايين أونصة)، ما يجعله يحتل مرتبة متقدمة عالميًا، والثانية عربيًا. هذا الذهب محفوظ بمعظمه في مصرف لبنان، بين خزائن محلية وأخرى في الخارج، وتُقدّر قيمته السوقية، حسب آخر التقديرات، بأكثر من 34 مليار دولار.

هل يبقى الذهب مجمّدًا؟

بالرغم من الانهيار الاقتصادي الذي يضرب البلاد منذ عام 2019، لم يُستخدم هذا الاحتياطي حتى اليوم. لا يزال يُنظر إليه كـ "الخط الأحمر"، وكضمانة أخيرة للدولة، في حال انهيار شامل للنظام المالي أو فقدان الثقة الكاملة بالعملة الوطنية.

لكن مع تآكل الثقة بالقطاع المصرفي، واحتجاز أموال المودعين، عاد النقاش إلى الواجهة حول:

هل يمكن استثمار الذهب – دون التفريط به – لإنقاذ الاقتصاد؟

يونس: لا لبيع الذهب ولكن..

يرى الصحافي والباحث الاقتصادي منير يونس في حديث خاص لـ "إيست نيوز" أن القيمة الفعلية لاحتياطي الذهب ارتفعت إلى أكثر من 30 مليار دولار، أي أكثر من ضعف قيمته ما قبل الأزمة. ويطرح تساؤلًا جوهريًا: "لماذا لا يزال هذا الذهب مجمّدًا؟ وهل يُعقَل أن يبقى أصل بهذا الحجم بلا أي توظيف؟"

ويرد يونس ليكشف، عن توجهات في مصرف لبنان لدراسة إمكان استثماره جزئياً، لا بيعه، من خلا، إصدار سندات طويلة الأجل للمودعين الكبار، تكون مضمونة بالذه ، وربط هذه السندات باستحقاق زمني يتجاوز ما بين 10 و 15 عاماً. وهي طروحات لا يمكن ان تمر دون قانون، إذ أن القانون 42/1986 يمنع المساس باحتياطي الذهب إلا بتشريع صادر عن مجلس النواب، وهو ما يُبقي المسألة في إطار "الأفكار"، بانتظار مشروع قانون رسمي من الحكومة.

إلا أن يونس يُحذر من أن يكون الهدف من هذه الأفكار هو إرضاء كبار المودعين فقط، الذين لا يشكّلون أكثر من 1% من اللبنانيين. و"إن كان الذهب ملكًا لكل اللبنانيين، فهل يجوز توظيفه لصالح فئة صغيرة؟ وهل هذا يُنقذ الدولة أم يُكرّس اللاعدالة؟"

عماد الشدياق: رهن الذهب لا يُغني عن الإصلاح

من جهته، يؤيد الصحافي الاقتصادي عماد الشدياق في حديثه الى موقع "إيست نيوز" إجراء مقاربة استثمارية أكثر حذراً، تقوم على رهن جزء من الذهب – لا بيعه – كضمانة للحصول على تمويل خارجي بفوائد منخفضة. ذلك أن "الذهب أصل استراتيجي، قيمته ترتفع مع الوقت، وتجميده لا يُشكّل خطراً مباشراً، بل بالعكس: هو ضمانة سيادية ما لم يُستخدم بشكل عشوائي".

ويشدد الشدياق على "أن التصرف بالذهب يستوجب قانوناً واضحاً من مجلس النواب، لكنه يربط أي خطوة بهذا الاتجاه بـ "خطة وطنية إصلاحية شاملة"، تُحدّد الأهداف، وتُخضع التنفيذ لرقابة شفافة، محلية ودولية".

كما لفت في حديثه إلى نقطة حساسة:"إن ملكية الذهب هي لمصرف لبنان قانوناً، وليس للدولة مباشرة، ما يعني أن موقع المصرف المركزي سيتعزز تلقائياً في أي مفاوضات مع صندوق النقد أو الدائنين، إذا تم الاعتراف بمخزونه الذهبي كأصل مستقل.

إشكالية قانونية – وسياسية

من الناحية القانونية، لا يمكن لمصرف لبنان التصرف بالذهب إلا بموجب قانون جديد. هذا الحظر أُقرّ في عام 1986 لحماية الثروة الوطنية من التبديد، وجاء في سياق الخوف من تفريط الدولة بمقدّراتها بعد الحرب الأهلية. لكن من الناحية الاقتصادية، يُنظر إلى الذهب كأصل "غير منتج" (non-productive asset)، أي أنه لا يُولّد دخلاً، ما يدفع البعض للمطالبة باستثماره ضمن رؤية اقتصادية شاملة.

بين الاستثمار والجمود: ما هي الحلول الواقعية؟

في هذا السياق، تتراوح الاقتراحات بين مجموعة من الخيارات، وابرزها ثلاثة:

 1. رهن الذهب، من أجل الحصول على تمويل دولي بضمانات ذهبية، شرط ألا يُمسّ الذهب نفسه، بل يُستخدم كوسيلة لإعادة تمويل الاقتصاد.

 2. إنشاء صندوق سيادي، من خلال وضع الذهب في صندوق وطني يُدار بحوكمة صارمة، مع رقابة برلمانية وشعبية، ويُستخدم لتمويل مشاريع إنتاجية.

 3. تعديل القانون الحالي: من اجل إدخال آلية قانونية مشددة تسمح بالتصرف بالذهب فقط ضمن خطة اقتصادية مصادق عليها من البرلمان، وتحت رقابة قضائية ومالية واضحة.

أثار غياب الثقة

يحذر كل من يونس والشدياق من أن أيّ استخدام للذهب دون إصلاح فعلي، وشفافية، وخطة طويلة الأجل، قد يتحوّل إلى استنزاف جديد لما تبقى من أصول الدولة. وفيما شدد الشدياق على أن "استغلال الذهب دون خطة سيُفقده قيمته كضمانة، وسيكون أشبه بإحراق المراحل”. ختم يونس بالقول: “إن استُخدم الذهب اليوم لإرضاء أصحاب النفوذ، فماذا سنفعل غدًا عندما لا يبقى لدينا شيء؟”

وفي الخلاصة، يبقى الذهب اللبناني "صمام أمان"، لكنه ليس العصا السحرية لإنهاء الأزمة. ذلك ان استثماره يتطلب نقاشًا وطنيًا شفافًا، وحوكمة رشيدة، ومقاربة عادلة تحفظ السيادة وتعيد الثقة. كما أن الذهب يحفظ قيمته على المدى الطويل، فإن المساس به دون استراتيجية، قد يُفقد لبنان ما تبقى من ثقته بنفسه وبمؤسساته.


المنشورات ذات الصلة