عاجل:

لهذه الأسباب بدأت إسرائيل قصف المناطق البقاعية (الجمهورية)

  • ٥٨

كتب جورج شاهين:

لم تحجب عملية «قمة النار» التي استهدفت قيادة «حماس» في الدوحة وتردّداتها الكبرى، الرعاية الأميركية التي يحظى بها لبنان، على رغم من حجم التطورات الجارية في المنطقة، وهو ما عبّرت عنه المساعدة العسكرية التي قدّمها الرئيس دونالد ترامب للجيش اللبناني، بمرسوم تنفيذي بموجب الصلاحيات الممنوحة له في الظروف الإستثنائية الناجمة عن خلو الموازنة الإتحادية الاميركية من أي هبة. وإلى هذه المبادرة، لم تنقطع الاتصالات الجارية بين بيروت وواشنطن وأنقرة، لمواكبة المساعي الجارية للتهدئة وحصر السلاح. وهذه بعض المؤشرات الدالّة.

على وقع النظرية السائدة منذ فترة طويلة التي تقول إنّ الاهتمام الدولي بالملفات اللبنانية يتضاءل كلما وسّعت إسرائيل من مسرح عملياتها العسكرية متنقلة بين دولة وأخرى، فقد قدّمت واشنطن في الأيام القليلة الماضية برهاناً على انّ مثل هذه النظرية ليست ثابتة، ولا يمكن تعميمها في كل المحطات الكبرى. كانت الحجة لدى الجانب الأميركي ووسطائه بعد الإعلان عن عملية «عربات جدعون» في مدينة غزة، غداة الإعلان عن إنجاز خطة قيادة الجيش التي سلّمها العماد رودولف هيكل إلى مجلس الوزراء في 5 أيلول الجاري، انّه تعذّر على الوسطاء الحصول على ردّ الفعل الإسرائيلي تجاه الخطوة اللبنانية في شأن «حصر السلاح»، وضرورة ملاقاتها بخطوة إيجابية مماثلة، ما معناه «همّنا اليوم ما يجري في غزة. انتظرونا لنأتيكم بالجديد في شأن خطط الانتقال من مرحلة تجميد العمليات العدائية إلى مرحلة وقف النار ومعها خطة حصر السلاح».

ولكن ما تغّير بعد العدوان على قطر، وقبل أن يجف حبر المواقف الشاجبة من كل زوايا العالم، انّ الإدارة الأميركية اعلنت عن خطوة جسّدت استراتيجية جديدة، نسفت تلك النظرية السابقة، وقالت «إنّ وزارة الدفاع الأميركية ستعلن في وقت قريب عن إرسال مساعدات جديدة للجيش اللبناني بقيمة 14 مليون دولار. وتستند هذه المساعدات إلى بند من صلاحيات الرئاسة الأميركية، يسمح للرئيس بإرسال مساعدات عينية من مخازن القوات المسلحة الأميركية لطرف خارجي، من دون أن يُطلب من الدول الأجنبية دفع قيمتها لاحقاً». ولمزيد من التفاصيل ومن اجل تحديد وجهة استعمالها كهبة مشروطة، قالت الإدارة عينها انّ هذه «المساعدات الأميركية تمنح الجيش اللبناني القدرة على القيام بالأعمال الدورية ونزع الشحنات المتفجّرة ونقلها، بالإضافة إلى إخلاء مخابئ «حزب الله»، وذلك دعماً لإعلان وقف النزاع بين لبنان وإسرائيل في 27 تشرين الثاني 2024».

وعليه، فإنّ هذه المساعدة الأميركية في شكلها وتوقيتها ومضمونها، رسمت إطاراً للتعبير الجدّي عن ارتياح الإدارة الاميركية إلى الخطوة التي اتخذتها الحكومة اللبنانية، وقرّرت دعم «أداتها العسكرية» المكلّفة تنفيذ قرار «حصر السلاح»، بدفعة مساعدات عاجلة وبالغة الدقّة والحساسية، للتعاطي مع احتمال وجود مخازن أسلحة مفخخة او تحتاج عند تفكيكها لآليات ضخمة ومضمونة النتائج، وخصوصاً في منطقة جنوب نهر الليطاني في المرحلة الأولى. ولما كانت الإدارة الاميركية على علم بحاجات الجيش لإتمامها، فقد قدّمت له هذه الهبة العاجلة حصراً بقرار تنفيذي مباشر، لعلمها أنّ صناديق المساعدات والهبات الأميركية باتت مفقودة، حتى تلك التي كانت تمول المشاريع الصغيرة والمجتمعات المهمّشة في عشرات من الدول حول العالم، والتي كانت مسرحاً للمساعدات الأميركية الحكومية.

ولا تقف المؤشرات على الرعاية الأميركية عند هذه الحدود. فقد كشفت مصادر ديبلوماسية، انّ السفير توم برّاك لا يزال رئيس الفريق الأميركي المكلّف ملفي سوريا ولبنان، والبيان الذي كشف فيه عن عودة اورتاغوس خلال زيارته الأخيرة للبنان، اشار صراحة إلى «انضمام السيدة اورتاغوس إلى فريقه». ولمن يعود إلى ذلك البيان، يتبين له بما لا يرقى إليه اي شك «انّ المسؤولين والموفدين الأميركيين المكلّفين ملفات المنطقة باتوا «فريقاً واحدا»، يرأسه برّاك شخصياً. وبذلك تكون كل السيناريوهات التي تحدثت عن احتمال تركه لمهمته أو اعتزاله، لا مكان له في ذهن المستهدف من هذه الشائعة أو لدى أي من مسؤولين غيره في الإدارة الأميركية التي حولت المنطقة كلها من شرق المتوسط إلى عمقه «مساحة واحدة ولها ملف واحد وفريق واحد». وهو فريق متعدد الاختصاصات، تتقاسم المسؤولية فيه بوجهيها الديبلوماسي الخارجية الأميركية، بحكم وجود برّاك من أعلى المسؤولين فيها والعسكري عبر قائد المنطقة الأميركية الوسطى الادميرال كوبر ومعه ضابط يمثله في رئاسة اللجنة العسكرية الخماسية التي تستعد مع وصول رئيسها الجديد، لإطلاق ورشة عمل كبيرة تعطي صورة واضحة عمّا هو منتظر من مهمّات ستقوم بها لاحقاً.

وبناءً على ما تقدّم، فقد قرأت مراجع ديبلوماسية وسياسية عند تفنيدها للوضع في لبنان، أنّ آلية معالجة الوضع في جنوب لبنان باتت رهن تفعيل عمل اللجنة العسكرية، لتعيد النظر في آلية العمل وتزخيمها، بما يضمن استعجال تفكيك ما تبقّى من منشآت عسكرية للحزب وفي المخيمات الفلسطينية في المنطقة، من أجل الإسراع بهذه الخطوة في مرحلتها الاولى، على امل أن تلاقيها إسرائيل بخطوة إيجابية مماثلة قد تكون ثمرة الضغوط الأميركية المتوقعة بعد اطمئنانها إلى جدّية الحكومة اللبنانية وقدرة الجيش على تنفيذ خطة «حصر السلاح» من دون اللجوء إلى اي خطوة عسكرية، وهو ما يفترض ان يلاقيها «حزب الله» او «الثنائي الشيعي»، بخطوة إيجابية. فهما يدركان أنّ هذا القرار اتُخذ ولا بدّ من التكيّف مع مقتضياته وتحضير قواعدهما الحزبية والشعبية لمثل هذه الخطوة سياسياً وشعبياً، اياً كان الوقت الذي تحتاجه هذه الخطوة الكبيرة.

عند هذه المعلومات تتلاقى المراجع السياسية والديبلوماسية على القول، إنّ موضوع الثقة بنية الحكومة اللبنانية وقدرة الجيش على القيام بما كُلّف به، سيشكّلان نصف الطريق للعودة إلى مشروع «الخطوة مقابل خطوة»، لاستكمال البرنامج الذي وضعته قيادة الجيش، ترجمةً لقرار سياسي كبير اتُخذ على مستوى الإدارة اللبنانية ومعها كل القوى العربية والغربية المشاركة في اللجنة الخماسية وتلك الداعمة لمشاريع الإعمار والانعاش الاقتصادي والمالي، متى نفّذت الشروط الخاصة «بجمع السلاح» وحصر غير الشرعي منه بالقوى الشرعية.

وفي المناسبة، وعلى هامش هذا النقاش، فقد لفتت مراجع عسكرية عليمة، إلى إشارة الجانب الإسرائيلي في اجتماع الخماسية قبل أيام في الناقورة، بمشاركة اورتاغوس وكوبر، إلى ضرورة أن تلي خطوة نزع السلاح جنوب الليطاني منطقة البقاع مباشرة، حيث مراكز قواعد تصنيع وتثبيت الصواريخ الثقيلة التابعة للحزب، قبل أي منطقة. وإن بحث البعض عن جدّية هذه الملاحظة، ما عليه سوى النظر إلى كثافة الغارات الإسرائيلية التي تستهدف المنطقة.


المنشورات ذات الصلة