بعد قرارات العار التي اتخذتها حكومة الرئيس نواف سلام في 5 آب الماضي لنزع سلاح المقاومة، التزاماً بالإملاءات الأميركية - الإسرائيلية، انتقل أركان الحكم إلى خطوة أشدّ إذلالاً، تمثّلت في البيان «المهم» الذي أعلنت عنه رئاسة الجمهورية أمس. فقبل أن يطوي اللبنانيون صدى زيارة البابا لاوون الرابع عشر إلى بيروت، وهي الزيارة التي بدا أن أحد أهدافها توفير «غطاء» روحي لـ«الحوار المباشر» مع العدو، استفاقوا على إعلان عن «بيانٍ مهم يصدر بعد قليل عن رئاسة الجمهورية»، قبل أن يتبين أن «الأهمية» المزعومة تتعلق بملف المفاوضات ولجنة «الميكانيزم»، وتكليف السفير السابق المحامي سيمون كرم ترؤس الوفد اللبناني إلى اجتماعات اللجنة، وإعلان الرئاسة أن القرار جاء «بالتشاور مع رئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس الحكومة نواف سلام».
لم يكن الخبر مفاجئاً، فموقف الرئيس عون كان معروفاً منذ أسابيع، وقد أبلغ المعنيين بنيّته تسمية شخصية مدنية لتمثيل لبنان في اللجنة، مرشحاً بول سالم لهذه المهمة. غير أن المفاجأة جاءت في تبديل الاسم، إذ علمت «الأخبار» أن الاختيار الجديد «وصل جاهزاً إلى السلطة من الأميركيين أنفسهم، بعدما أصرّوا على أن تمثّل لبنان شخصية دبلوماسية - سياسية تتوافق مع طبيعة المرحلة»، وهو ما حصل بالفعل.
مصادر مطلعة قالت لـ«الأخبار» إن زيارة البابا إلى لبنان عجّلت في اتخاذ القرار، بعدما شعر المعنيون بأنهم نالوا غطاءً سياسياً وروحياً من دعوة البابا الصريحة إلى التفاوض والحوار مع الأعداء. وأكدت أن «عون لم يصدر القرار منفرداً، بل بالتشاور والاتفاق مع الرئيس بري»، وأن «التفاهم النهائي وُضع خلال اللقاءات التي جمعت الرؤساء في اليومين الماضيين على هامش المناسبات المرافقة لجولة البابا».
وأوضحت المصادر أن «فكرة إشراك ممثل مدني في لجنة الميكانيزم جاءت أساساً بناءً على طلب المبعوثة الأميركية مورغان أورتاغوس منذ أشهر، إذ أكدت أن واشنطن «تريد انتقال التفاوض إلى إطار دبلوماسي – سياسي لتثبيت فرص الهدنة والاستقرار والتهدئة».
وقد أبدى عون تجاوباً مبدئياً مع الطرح يومها، لكنه شدّد على أن التفاوض سيكون عبر إدخال مدنيين إلى لجنة الـ«ميكانيزم» لضمان إدارة التفاوض بشكل رسمي ومدني بعيداً عن التصعيد العسكري المباشر. وعلى مدى الأشهر الماضية، جرى تداول عدة أسماء، أبرزها الدكتور بول سالم الذي عقد عون معه أكثر من اجتماع، وسط غياب أي ردّ حاسم من الجانبين الأميركي والإسرائيلي على طرح عون طوال الفترة السابقة.
قبل أيام، وبالتزامن مع ارتفاع مستوى التصعيد والتهديدات بحرب إسرائيلية على لبنان، وصلت الموافقة الأميركية - الإسرائيلية، ما دفع الرئيس عون إلى إطلاق سلسلة اتصالات عاجلة مع الرئيسين بري وسلام للتوصل إلى موقف رسمي موحّد بشأن هوية الممثل اللبناني في «الميكانيزم». وفي نهاية المشاورات، وقع الاختيار على السفير سيمون كرم، الذي تبيّن أنه كان قد التقى عون أكثر من مرة بترتيب من مستشار الرئاسة جان عزيز.
وبحسب المعلومات، فإن الجانب السعودي، ممثلاً بيزيد بن فرحان، لم يكن بعيداً عن هندسة هذا المسار، إلى جانب أدوار إضافية لعبتها شخصيات عدّة، من بينها المصرفي أنطون الصحناوي، كما تردّد اسم أحد المقربين من الرئيس بري ممن لديه علاقات عمل واسعة في الولايات المتحدة.
غير أن أوساطاً مقرّبة من بري تنفي هذه الرواية، مؤكدة أن «رئيس الجمهورية هو صاحب القرار، وليس الرئيس بري، وما يُسوّق عن موافقة بري عبر التشاور غير دقيق». ونقل زوار عين التينة عن بري قوله إن «المهمة التي كُلّف بها السفير كرم تقنية بحتة، وتتعلق بالتفاوض حول وقف الاعتداءات، وتحرير الأسرى، وإنهاء الاحتلال. وأي خروج عن الإطار التقني يعني انتهاء دور كرم فوراً». وتضيف المصادر أن «بري سبق أن أعلن عدم ممانعته توسيع إطار الميكانيزم ليضم تقنيين إذا تطلّب الأمر ذلك بناءً على طلب الجيش اللبناني، لكن ذلك لا يعني أبداً الذهاب نحو تفاوض مباشر مع إسرائيل أو اتخاذ خطوة أولى باتجاه التطبيع أو فتح مجالات تعاون اقتصادي، كما حاول مكتب نتنياهو الإيحاء بذلك».