يقول يردين ميخائيلي في صحيفة هآرتس ان "قطاع غزة دفع ثمناً فلكياً، ستؤثر تداعياته في الإسرائيليين والفلسطينيين لعشرات الأعوام مستقبلاً. القتل والدمار في القطاع لا يجري التعبير عنهما في النقاش الجماهيري، لكن من المهم معرفة حجمهما من أجل فهم الواقع الذي أوجده الجيش في غزة.
بحسب معطيات السلطات في غزة، فإن عدد القتلى الرسمي وصل إلى أكثر من 24 ألف إنسان. يضاف إليه نحو 8000 غزّي مفقود، يمكن الافتراض أن جزءاً كبيراً منهم لا يزال تحت الأنقاض. جثث كثيرة مرمية على الطرقات، بحسب شهادات فلسطينيين شاهدوا ذلك عندما هربوا جنوباً. الأرقام لا تفرّق بين ناشطي "حماس" والمدنيين، لكن، وبحسب المعطيات الصادرة عن الأمم المتحدة، فإن نسبة كبيرة جداً - 70٪ - هم من النساء والأطفال. فضلاً عن أكثر من 60 ألف مصاب، منهم نحو 6000 في حالة صعبة ويحتاجون إلى الإجلاء فوراً.
كما أن الأمم المتحدة تشير إلى أن 60٪ من المباني في القطاع تضررت. و1.9 مليون إنسان - نحو 85٪ من المجتمع - اقتُلعوا من منازلهم، وكثيرون منهم لن يجدوا مكاناً للعودة. وهناك مليون إنسان تقريباً يتجمعون في ظروف غير إنسانية، وفي مدن خيام تم إنشاؤها في جنوب القطاع. ووُصفت غزة بأنها "غير صالحة للحياة".
البنى التحتية المدنية تلقت ضربة قاسية جداً. المنظومة الصحية انهارت، وهي غير قادرة على الاستجابة إلى الحاجات الكبيرة جداً للمجتمع. أمّا الجوع والأوبئة، فإنهما ينتشران بسرعة، وسيحصدان عدداً كبيراً من الضحايا؛ والمساعدات الإنسانية قليلة جداً نسبةً إلى الواقع الميداني. وفي حالات كثيرة، لا يمكن حتى إيصالها إلى المحتاجين.
منذ وقت طويل، بات من الواضح أن الحرب لا تدفع في اتجاه تحرير الرهائن، بل تحفّز "حماس" فقط على تشديد شروطها. الضربة التي كان يجب على "حماس" أن تتلقاها بعد قتل 1200 إسرائيلي يوم 7 تشرين الأول، تلقتها. مخازن الأسلحة التي تم إيجادها ستُستبدل بأُخرى سريعاً، وكل قائد كتيبة يُقتل، يحلّ محله آخر. ولضمان عدم حدوث ذلك، يجب زيادة القوة العسكرية كثيراً، وحتى بعد ذلك، لا يدور الحديث عن حل أبدي. فالولايات المتحدة بقيت في أفغانستان 20 عاماً، وفي النهاية، سيطرت طالبان على الدولة.
السؤال هو: ما جدوى استمرار القتال؟ الثمن هو عزلة دولية، وقتلى ومصابون بحالات حرجة في صفوف الجنود يومياً، وكثير من العائلات المدمرة في إسرائيل. المجتمع الغزي يتفكك بمرور كل يوم من الحرب، والقضاء على أي أفق سياسي أو اقتصادي هو بمثابة أرض خصبة لزيادة قوة جاذبية التنظيمات "الإرهابية". وفي الوقت نفسه، يستغل اليمين المسياني الفرصة للدفع بأحلام العودة إلى غوش قطيف، والمجتمع الإسرائيلي يمرّ بحالة عسكرة. ورئيس الحكومة بنيامين نتنياهو هو الرابح من هذا الوضع سياسياً.
إسرائيل تستطيع الاستمرار في ملاحقة قيادات "حماس" المسؤولين عن "المذبحة" حتى آخر أيام حياتهم. أمّا بخصوص الحرب الآن، فمن يعتقد أنه يمكن تحقيق مزيد من "الإنجازات"، يجب أن نسأله ما هي هذه الإنجازات؟ يجب على مَن يدعم استمرار القتال أن يشرح متى يجب أن ينتهي. أيام طويلة تمرّ، وهذه الأسئلة لا تزال من دون إجابات. إسرائيل سارعت في إدخال قوات كبيرة إلى القطاع، لكنها امتنعت، طوال أكثر من 100 يوم، من وضع أهداف يمكن الوصول إليها بالشكل الذي تعمل فيه.
الآن، هو الوقت للاعتراف بأن مزيداً من القصف لن يرمم قدرة الردع، ولن يساهم في أمن إسرائيل. يجب الإعلان أن قطاع غزة و"حماس" دفعا ثمناً كبيراً، وأن نركز الجهود على المفاوضات لتحرير جميع الرهائن الذين جرى التخلي عنهم للمرة الثانية، بعد أن تُركوا في منازلهم في المرة الأولى، وفي الأنفاق في المرة الثانية، فوراً. يجب القيام بترتيبات تسمح بإعادة إعمار البلدات الإسرائيلية، وأيضاً القطاع، ودمج الدول العربية في هذه الجهود. الآن، هو الوقت لترميم العلاقات بين العرب واليهود في إسرائيل، وتقوية الجهات الفلسطينية المعتدلة، والتقدم نحو أفق سياسي يرى في الضفة الغربية وغزة كياناً فلسطينياً واحداً - لأن هذه الطريقة هي الوحيدة التي يمكن من خلالها تفكيك "حماس" في المدى البعيد. وقف إطلاق النار لا يمنع تجديده، إذا تجدد التهديد العسكري، لكنه يفتح الباب الضروري والمتأخر للدبلوماسية. الآن، هو وقت وقف الحرب."