"إيست نيوز" - خاص
ليس من المستغرب ان تتعدد المناورات السياسية والاعلامية في مرحلة اقترب فيها هامش المناورة الخاص باستحقاق انتخاب الرئيس من أن يَتقلّص إلى الحدود الدنيا، مع عبور كل يوم من الفترة المحددة نهايتها بتاريخ الجلسة الانتخابية التي سيتحول فيها المجلس النيابي الى هيئة ناخبة في 9 كانون الثاني المقبل من أجل انتخاب الرئيس العتيد الذي طال انتظاره أكثر من 25 شهرًا.
وعليه، تعترف مصادر سياسية عليمة، في حديثها الى موقع "إيست نيوز"، بأنّ مسلسل التفسيرات التي يمكن ان تتناول اي موقف او تصريح او حدث ما، قد يطول ويتساوى فيها الهزل بالجد على حد سواء، ذلك انّ هناك مطابخ اعلامية وجيوشًا إلكترونية جاهزة للتسويق بكل اشكاله المسموحة، وربما غير المسموحة الا في حالات الفوضى التي تعيشها، ويمكن ان تستدرج ردات فعل متناقضة قياسًا على الفرز القائم بين اللبنانيين، والذي لا يمكن اخفاؤه على كل المستويات، خصوصًا إن تمّ الربط بين مواقف اليوم لأي شخصية او طرف وما كانت عليه قبل أن تَفعل التقلّبات فعلها، فتنقل أصحابها من موقع الى آخر بما فيه من متغيرات وتناقضات.
وبناء على ما تقدم، أجرت هذه المصادر مقاربة لردات الفعل التي تناولت موقف اللقاء الديمقراطي من قرار نوابه بانتخاب قائد الجيش العماد جوزف عون رئيسًا للجمهورية، من باب إشهار الموقف الذي يَتردّد كثر في اتخاذه، وقد كثر المتلبسون بثوب "الحمل الوديع" من دعاة "التوافق" او الدعوة الى "إجماع مستحيل" حول مرشح واحد لا يُشاركه أحد مجرد التفكير بالتربّع على كرسي الرئاسة، بمعزل عن مواقف باقي المكونات الوطنية والطائفية في لبنان.
وقالت هذه المصادر : "لم يسبق أن عاشت الساحة السياسية المسيحية حالات احتكار للمواقف شبيهة بـحالات التمثيل "الأحادي" او "الثنائي" الذي تحكّم في فترات سابقة ببعض الطوائف، ذلك انّ ما يميّز الوضع المسيحي في لبنان عن باقي مكوناته بات واضحًا لا يحتمل أي تفسير مخالف للواقع.
وقد جاءت محاولة إقامة "الثنائي الماروني" لتشكّل تجربة فاشلة امتدت من العام 2016 ولم تعمّر الى نهاية العام 2018، فانفرط عقدها بفِعل تجاذبات طبيعية لمجرد ان شَعر أحد طرفيه، عند إمساكه بناصية الحكم، بتفوّقه على الطرف الآخر. وإن سُئلت هذه المصادر تفسيرها للكلام المحيط بالمواقف من موضوع ترشيح قائد الجيش، لا سيما الموقف الواضح الذي أطلقته "كتلة اللقاء الديمقراطي" قبل يومين بدعم ترشيحه لتفتح المجال امام مجموعة من التفسيرات التي لم تقارب الواقع.
فالحديث عن هذا الاعلان باعتباره ترشيحًا درزيًّا للمقعد الماروني لا يصحّ اعتماده. خصوصًا انّ مُطلقه قصَد إحياء المواقف الرافضة التي اقتربت من ان تكون "انتفاضة مسيحية" أعقبت ترشيح "الثنائي الشيعي" للوزير السابق سليمان فرنجية بمعزل عن المكونات المسيحية، وهو امر لا يتناسب لا في شكله ولا في مضمونه ولا في طريقة الإعراب عن موقفه كما عَبّر عنها اللقاء الديمقراطي. وعليه، فإنّ الواقع يدعو الى الخروج من هذه الصيغة، ذلك أنها مناورة بكل المعايير التي يحاول مُطلِقها إثارة نوع من الفتنة المذهبية غير الواردة. فالوقائع مختلفة تمامًا عن تلك المرحلة وما رافقها من مواقف استفزازية كادت أن تسقط مرشحها من "عباءته المارونية"، وهي عباءة لا يمكن نزعها عن كتفيه بسهولة، فهو كان وما زال أشدّ مَن عبّر عنها بصدق وعفوية لا شبيه لها لدى أيّ من السياسيين اللبنانيين.
الرهان على انتخاب رئيس بإجماعٍ طائفي ليكون صديقًا للمجتمع الدولي بذراعيه العسكرية والمالية ولكن عند البحث في جدية الاستحقاق، يبرز الرهان على ما سيكون عليه الموقف الشيعي الذي لا يزال في مرحلة امتحان واختبار عميق وغامض بانتظار ان يظهر "حزب الله" ما يكفي لإمكان عودته الى الدولة ومؤسساتها بدءًا بانتخاب الرئيس. فلا يكفي اعلان أمينه العام الجديد الشيخ نعيم قاسم استعداده للمشاركة في إجراء الاستحقاق الدستوري في خطوةٍ اعتبرت إنهاء للفصل الذي كان مستحيلًا بينه والوضع في الجنوب قبل ان يتم التوصل الى اتفاق وقف النار، وهو امر لم يُنفّذ بعد.
فمقاربة قيادة "حزب الله" لاستحقاق التاسع من كانون الثاني المقبل ما زالت غامضة، الأمر الذي أدى الى توقعات متناقضة بين الابقاء على ترشيح فرنجية من دون غيره او تجاوز تلك المرحلة للبحث عن رئيس جامع بأكبر نسبة من المكونات النيابية التي لا تستثني اي مكون طائفي او مذهبي. وهو أمر يبدو مستبعدًا، إن كان الواقع الشيعي ما زال يتحدث عن كتلة جامعة وانّ النواب الشيعة الـ 27 ما زالوا على موقف واحد لا يمكن تفكيكه، ولو بعملية توزيع أدوار تنتهي الى انتخاب الرئيس العتيد أيًّا كانت هويته. وختامًا، تجدر الاشارة الى انه لا بد من ان تحمل الايام المقبلة مخرجًا يقود الى انتخاب الرئيس في التاسع من كانون الثاني المقبل بإجماعٍ طائفي ومذهبي بالحد الأدنى المطلوب، إلى ان يبدأ البحث لاحقًا في المعادلات التي تقدّم هذا المرشح على آخرين مِمّن يخوضون السباق إلى قصر بعبدا، وبالمواصفات التي تجعله صديقًا للمجتمع الدولي، الذي من دون .ذراعيه العسكرية والمالية لن تكون قيامة للبنان.