رغم تَحَوُّلِ الاستحقاق الرئاسي وجلسة الانتخاب الموعودة في 9 كانون الثاني المقبل الشغلَ الشاغلَ في بيروت وسط «رياح متضاربة» يَصعب معها الجزم بالاتجاهات التي ستسلكها، انفراجاً أو «تعليقاً» للفرَج لِما بعد 20 كانون الثاني الأميركي، فإنّ عناوين عدة تَقاسَمَتْ معه المشهدَ السياسي الذي يتشابك فيه الاستعصاءُ الرئاسي «المزمن» والذي يناهز 26 شهراً مع ارتجاجات «الزلزال» السوري وارتدادات «إعصار» الدم والدمار في «حرب لبنان الثالثة» المعلّقة على اتفاق وقف نار مرّ من فترته «الاختبارية» (60 يوماً) 25 يوماً.
وفي الوقت الذي استمرّتْ «الكوْلساتُ» في محاولةٍ لبلوغ توافق يتيح تمريرَ خيار قائد الجيش العماد جوزف عون في جلسةِ 9 كانون الثاني، وإلا العبور بمرحلة «تصفية» جديدة عبر مرشّحين «انتقاليين» أو التفاهم على «اسم مفاجأة» يَخرج من «قبعة ساحِر» أو «سحرة»، تَزاحَم ملفان أمس عشية الزيارة – الحَدَث التي يقوم بها الزعيم الدرزي وليد جنبلاط لــ «سورية الجديدة» لتهنئة شعبها «بانتصار الثورة» ولقاء أحمد الشرع.
الملف الأوّل مذكرة التوقيف الدولية التي تسلّمها النائب العام التمييزي القاضي جمال حجار بحق مدير المخابرات الجوية السورية السابق جميل الحسن بتهمة «القتل والتعذيب» وارتكاب «جرائم حرب وجرائم إبادة جَماعية».
وتقاطعتْ المعلومات عند أن البرقيّة جاءت من «الإنتربول» الأميركي، ومعمّمة عبر «الإنتربول» الدولي، وتطلب التوقيف والتسليم إلى الولايات المتحدة إذا كان الحسن موجوداً في لبنان، وأن المذكرة باتت في عهدة كافة الأجهزة الأمنية.
واعتبرتْ أوساطٌ سياسية لــ" الراي الكزيتية" أن تلقّي لبنان هذا الطلب يؤشر إلى معطيات ربما تكون لدى واشنطن بأن مدير المخابرات الجوية السورية السابق موجود في بيروت أو قد يمرّ فيها تمهيداً لوجهة نهائية، خصوصاً في ظل تقارير عدة عن وجود ضباط من النظام المخلوع في لبنان بعدما دخلوا بطريقة غير شرعية وأن بعضهم (من الفرقة الرابعة) تم القبض عليه في الأيام الماضية وخضعوا لتحقيقاتٍ ويتم درس ملفاتهم لترحيلهم إلى سورية.
وإذ يَشي هذا الملف بحساسيات متعددة البُعد من شأنها ان تترك تأثيراتٍ على العلاقة مع السلطة الجديدة في سورية كما مع الخارج بحال لم يُحْسِن لبنان الرسمي إدارة قضيةٍ بهذه الأهمية تشكل امتحاناً له بالدرجة الأولى ولمدى امتلاكه «زمام التحكم والسيطرة» على قراره وإدراكه حجم المتغيّرات الجيو – سياسية التي أزاحت ايضاً باب «السجن الكبير» الذي كان يُبقي «بلاد الأرز» رهينةَ مشاريع إقليمية تفوق قدرتها على التحمّل، فإن عنواناً آخَر عَكَسَ في المقابل عمق التحوّل في الإقليم ولا سيما في سورية وأن ما بات على المحكّ في بيروت هو «أهلية الدولة» وإمكان ترميم بنيتها المتآكلة لتكون على مستوى «الشرق الجديد» وجوهر اتفاق وقف النار الذي يتمحور حول أن تكون الشرعية وحدها صاحبة السلاح على الـ 10452 كيلومتراً مربعاً.
وفي هذا الإطار، توقف الداخل والخارج أمام أول خطوة من نوعها منذ أكثر من 4 عقود شكّلها بدء الجيش اللبناني تفكيك وتسلُّم مراكز وقواعد لـ «الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين – القيادة العامة» و«فتح الانتفاضة» في البقاع اللبناني واضعاً هذا التطور في سياق «حفظ الأمن والاستقرار وبسط سلطة الدولة في مختلف المناطق».
وذكرت مديرية التوجيه في قيادة الجيش اللبناني: «تسلم الجيش مركزَي السلطان يعقوب – البقاع الغربي، وحشمش بين بلدتَي قوسايا ودير الغزال في البقاع الأوسط التابعَين سابقا للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين – القيادة العامة».
وأضافت «كما تسلّم معسكر حلوة – راشيا التابع سابقاً لتنظيم فتح الانتفاضة، وصادر كميات من الأسلحة والذخائر بالإضافة إلى أعتدة عسكرية».
وإذ أكد الجيش أنه «يتابع تسلُّم مراكز عسكرية كانت تشغلها تنظيمات فلسطينية داخل الأراضي اللبنانية، ضمن إطار حفظ الأمن والاستقرار وبسْط سلطة الدولة في مختلف المناطق»، ذكرت تقارير أنه تم توقيف عدد من عناصر «القيادة العامة» ودخول نفق يربط بين قوسايا ووادي حشمش وأن الجيش رفع العلم اللبناني على موقع حشمش.
وفي حين وضعت بعض الأوساط خطوة الجيش في سياق تنفيذ القرار 1701 بمختلف جوانبه التي ترتكز على القرارات الدولية السابقة الناظمة للواقع اللبناني وأبرزها 1559 (2004) الذي ينص على نزع سلاح الميليشيات اللبنانية وغير اللبنانية، علماً أن اتفاق وقف النار بمندرجاته يُعتبر بمثابة «المراسيم التطبيقية» للـ 1701، فإن دوائر استوقفها أن «البداية» كانت مع تنظيماتٍ عُرفت بعلاقاتها العضوية مع النظام السوري، وسط أسئلة عما إذا كان سقوط نظام الرئيس بشار الأسد بدأ يُحْدِث «تأثير الدومينو» لبنانياً، وهل بات ممكناً أن يقتصر «بسط سلطة الدولة» على الواقع الفلسطيني خارج المخيمات أم سيتمدّد تباعاً إلى داخلها وإن بآلياتٍ متحسبة وأطر مدروسة.
كما تساءلت الدوائر نفسها، هل بدء التطبيق المتأخّر 20 عاماً لمضامين القرار 1559 فلسطينياً و18 عاماً لمقررات طاولة الحوار في 2006 التي أكدت وجوب نزع السلاح خارج المخيمات ومعالجته داخلها، يعني أيضاً أن ثمة قراراً كبيراً بالانتقال بعدها إلى بتّ مسألة سلاح «حزب الله» شمال الليطاني تماشياً مع تعهدات لبنان في اتفاق وقف النار وبعد أن تُسحب ذريعة «السلاح الفلسطيني».