عاجل:

مزارع شبعا بين مراحل الاحتلال الإسرائيلي والأهداف الإستراتيجية والاقتصادية والمائية (الأنباء)

  • ٢١

كتبت اتحاد درويش في جريدة "الأنباء":

عاد النقاش من جديد حول هوية مزارع شبعا، إثر التصريح الذي قال فيه الرئيس السابق للحزب «التقدمي الاشتراكي» وليد جنبلاط بعد زيارته القيادة الجديدة في سورية الأحد الماضي من «ان مزارع شبعا سورية بموجب القرار الأممي 242».

هذا الموقف أثار امتعاض بلدية شبعا، وقالت إن هذه التصريحات «لا تعكس التاريخ والجغرافيا، ولا تلبي تطلعات شعبنا في الحفاظ على سيادتنا وحقوقنا الوطنية الثابتة. والمزارع جزء لا يتجزأ من الأراضي اللبنانية، وأي تصريحات أو محاولات للتشكيك في هذا الحق تعتبر مساسا بكرامة أبناء شبعا وحقهم المشروع في أرضهم». وطالبت الأطراف السياسية بتوخي المسؤولية في تصريحاتها والابتعاد عن المواقف التي قد تسهم في تعقيد الواقع الراهن وزيادة الانقسامات، ودعت الدولة اللبنانية «إلى تكثيف الجهود الديبلوماسية لتثبيت الحق اللبناني في مزارع شبعا».

وصدر عن «هيئة أبناء العرقوب ومزارع شبعا» بيانا أحالت فيه جنبلاط إلى القرار 1701 الذي يتحدث عن المزارع، ويؤكد على القرار 425 ولم يذكر أبدا القرار 242 فيما يخصها.

في المقابل، أكد رئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل «أن مزارع شبعا لبنانية وأن حدود لبنان أمر سيادي»، وطالب الدولة السورية والنظام الجديد الاعتراف بذلك، وحل مسألة الحدود البرية والبحرية المتنازع عليها.

وفي دراسة وثائقية صادرة عن المديرية العامة للدراسات والمعلومات في مجلس النواب بعنوان «مراحل الاحتلال والاقتلاع والأطماع وتأكيد الحق اللبناني»، إشارة إلى أن الخط الأزرق الذي رسمه خبراء الأمم المتحدة ليس هو الحدود النهائية للبنان المعترف بها دوليا، ومزارع شبعا أرض لبنانية، واستمرار اسرائيل في احتلالها يعني أنها لم تنفذ القرار 425 في شكل كامل، بعد انسحابها في 25 مايو عام 2000 إثر احتلال دام 22 سنة.

وتحفظ لبنان على «الخط الأزرق» الذي ابتدعته الأمم المتحدة لتعطي إسرائيل صك براءة على إنهاء احتلالها للجنوب وفقا للقرار 425 كما تدعي، وعدم شمول مزارع شبعا بهذا الانسحاب بحجة أنها غير خاضعة للقرار 425، وإنما تخضع لقوة «الأندوف» وللقرار 242. هذا الموقف الدولي اعتبره لبنان الرسمي انه غير معني به.

وتتناول الدراسة أسماء المزارع وانتشارها وعائلاتها، وعددها 14 مزرعة، تضاف اليها مزرعة بسطرة التي استحدثها الأهالي بعد نزوحهم عن المزارع خارج الأسلاك الشائكة التي رفعتها قوات الاحتلال بعد احتلالها المزارع الـ 14، كما أن هناك مزارع النخيلة وبرتعيا وكفردورة والقرن.

وشكلت مزارع شبعا الحلقة الأولى والكبرى في مسلسل الضم والاقتطاع، وقد اجتاحتها إسرائيل على مراحل مع وقف إطلاق النار بعد حرب «الأيام الستة» في يونيو 1967.

وتفند الدراسة المشار اليها سابقا مراحل الضم والاستيلاء على المزارع، وتوردها على الشكل التالي: المرحلة الأولى في 15 يونيو عندما استولت فيها إسرائيل على المزارع الست: مغر شبعا، خلة غزالة، ضهر البيدر، رويسة القرن، جورة العقارب، فشكول، وهجرت معظم سكانها وجرحت العشرات منهم وأحرقت المواسم.

المرحلة الثانية في 20 يونيو، عندما احتلت اسرائيل المزارع الثلاث: قفوة، زبدين، رمثا. أما المرحلة الثالثة ففي 25 يونيو حيث استكملت إسرائيل اجتياحها للمزارع المتبقية وهي: بيت البراق، الربعة، برختا التحتا، برختا الفوقا، مراح الملول. وعمدت إلى تهجير كامل سكان المزارع وتفجير منازلهم وزرائب مواشيهم وآبار المياه، وتصرفت بأملاك وقفية تعود إلى الأوقاف الإسلامية والكنيسة الأرثوذكسية.

والمرحلة الرابعة في أغسطس1967 التي جرفت فيها اسرائيل الحقول والبساتين وغيرت معالم المزارع.

وفي المرحلة الخامسة من العام 1970 فجَّر جيش الاحتلال بيوت حارة السنديان في بلدة شبعا، وكان النزوح الكبير للأهالي من البلدة. والمرحلة السادسة في صيف 1972 التي بدأت فيها إسرائيل عملية الضم لـ 80% من مساحة المزارع بعد إحاطتها بالأسلاك الشائكة والمكهربة. وأدت هذه العملية إلى تدمير 800 مسكن في هذه المزارع، والى طرد 400 عائلة تسكنها في شكل دائم، و500 عائلة تقيم فيها موسميا، كما منعت بموجب هذه العملية 6 آلاف عائلة من استثمار ملكياتها فيها.

وجاءت المرحلة السابعة في 1973 عندما اقتطعت إسرائيل في مرتفعات جبل الشيخ وخراج شبعا، مناطق جورة العليق والشحل وبركة النقار والسواقي وتلة السدانة بين شبعا والهبارية، وتتميز هذه التلال بموقعها الإستراتيجي المهم الذي يطل على القطاع الشرقي وصولا إلى منطقة النبطية.

وفي المرحلة الثامنة في العام 1985 وتنفيذا لمخططها الرامي إلى توطين اليهود في الأراضي الأكثر خصبا، والتي تحتوي على كل مقومات الحياة، أقدم الحاخام مائير كاهانا على وضع حجر الأساس لثلاث مستعمرات يهودية من أجل توطين يهود «الفلاشا» المستقدمين من أثيوبيا.

وفي يوليو من العام 1988، وعلى أثر تأكيد المعلومات حول بدء تحويل إسرائيل بعض المزارع إلى مستوطنات ليهود الفلاشا ومباشرتها شق طرقات لربط مزارع شبعا والقرى بشمال فلسطين المحتلة ومد شبكات المياه والكهرباء اليها لتصبح جاهزة للسكن.. طلب الرئيس الراحل سليم الحص ـ الذي كان حينذاك رئيسا لمجلس الوزراء ـ من الخارجية اللبنانية تقديم شكوى إلى الأمانة العامة للأمم المتحدة. وتوالت الشكاوى اللبنانية مع تعاقب الحكومات ولم يأت التحرك الرسمي بأي نتيجة، للأسباب المعروفة في الأمم المتحدة، التي وتحت وطأة الضغوط الأميركية يقتصر عملها في كل ما له علاقة بشكاوى ضد إسرائيل، على توزيعها كوثيقة رسمية على الدول الأعضاء.

واستكملت اسرائيل المرحلة التاسعة في أبريل 1989 من الاقتطاع التام لمزارع شبعا، فوجهت إنذارا إلى مالكي الأراضي والمزارع في شبعا بوجوب مغادرتها خلال عشرة أيام.

وتقع مزارع شبعا على الحدود بين لبنان وهضبة الجولان التي كانت الحدود اللبنانية السورية قبل يونيو 1967. واليوم هي الحدود بين لبنان والجزء المحتل من الجولان. ويمر الخط الأزرق الذي رسمته هيئة الأمم المتحدة عام 2000 على جبل السماق وشمالي قمة جبل روس، ويبقى معظم منطقة مزارع شبعا، (25 كيلومترا مربعا تقريبا) جنوبا له. وعلى رغم مطالبة لبنان بممارسة السيادة على عموم هذه المنطقة، لم تفرض الأمم المتحدة على إسرائيل الانسحاب مناه حتى الآن.

وجاء في كتاب الباحث والمؤرخ اللبناني الدكتور عصام خليفة «مزارع شبعا في ضوء الوثائق التاريخية والمطامع الصهيونية»، أن الرئيس السوري السابق بشار الأسد أكد في خطابه في مؤتمر القمة العربية الذي انعقد في القاهرة في أكتوبر العام 2000 أن مزارع شبعا هي لبنانية.

وانطلاقا مما تقدم، يمكن فهم الأطماع الإسرائيلية والأهداف الإستراتيجية وراء احتلال اسرائيل لمزارع شبعا ومعها جبل الشيخ، بهدف الحصول على بناء خطوط دفاع طبيعية تؤمن الحماية اللازمة لشمال دولتها كما تزعم. فضلا عن الأهداف الاقتصادية حيث توفر لها هذه المنطقة مشاريع سياحية ذات منفعة اقتصادية. واقيمت مراكز للتزلج، إلى جانب المطامع في المياه التي شكلت بالنسبة اليها أهمية قصوى نحو إنشاء المزيد من المستعمرات.


المنشورات ذات الصلة