عاجل:

"ليس النتيجة": "ثمن الصمود قد يكون أعلى من أي وقت مضى"..عواقب الرفض على لبنان وحزب الله (الراي الكويتية)

  • ٧٦

يُعدّ رفض "حزب الله" المقترح الأميركي في شأن نزع السلاح أكثر من مجرد موقف دبلوماسي، بل يُمثّل نقطة تحوّل تدفع لبنان إلى مرحلة جديدة من المواجهة. وتصف مصادر على بينة من قرار الحزب، المقترح بأنه "معيب إستراتيجياً ومتحيز سياسياً ومقترح استسلام وتسليم"، وتالياً من المحتمل أن يفتح رفضه أبواب التصعيد على جبهات عدة.

مازالت تداعيات "طوفان الأقصى" تُعيد تشكيل الحسابات الإستراتيجية للمنطقة، مع نتائج هائلة ومدمرة على محور المقاومة. وما برحت حصيلة هذه الأحداث تتكشف، حيث يُعاد رسم الخريطة الجيو - سياسية للشرق الأوسط في الوقت الفعلي، وقد يكون الأسوأ مقبلاً. لكن إرادة الشعوب - في فلسطين ولبنان وإيران - مازالت راسخة رغم التحدي الذي يلوح في الأفق. فأولئك الذين يسعون للهيمنة عبر "الإبادة الجماعية" وجرائم الحرب والإكراه العسكري سيسقطون في النهاية، وعلى المدى البعيد، بالأدوات نفسها التي يستخدمونها لفرض حكمهم. فشعار إسرائيل «فرض السلام بالقوة» ليس وصفةً للحل، بل هو مخططٌ لحربٍ طويلة في الشرق الأوسط.

وذكرت "الراي الكويتية" أنه يواجه "حزب الله" مهمةً جسيمةً تتمثل في إعداد مجتمعه للصراع المحتمل الذي يدق أبواب لبنان وبالتحديد بيئته الحاضنة. إذ ينصبّ تركيزه على تعزيز القدرة على الصمود، ورفع مستوى الوعي، وضمان الجاهزية. ولا يقتصر تعزيز القدرة على الصمود المجتمعية على الجاهزية العسكرية فحسب، بل يشمل أيضاً تنمية الشعور بالوحدة والاعتماد على الذات بين السكان ليتمكّن المدنيون من تحمل تقلبات الصراع.

وتُشكّل المعضلة بين نزع السلاح والحفاظ عليه تحدياتٍ كبيرة. إذ إن "حزب الله" يدرك - بحسب مصادر على دراية بتفكيره - أن "نزع السلاح سيأخذ به إلى التهميش المجتمعي والضعف وإلى نتائج معلومة، مما قد يُعرّض مجتمعه بأكمله للملاحقة ولتهديداتٍ تنهي وجوده ويكشفهم أمام التحديات الداخلية والخارجية".

في المقابل، يحمل البقاء على سلاحه ومواجهة "إسرائيل" المنتشية والمتعطشة للحروب ولتغيير خريطة الشرق الاوسط، خطر خسائر فادحة ستصيب حياة وممتلكات المجتمع الحاضن، مصحوب بمستقبلٍ غامض غير معلوم النتائج.

ولذلك يتطلب التعامل مع هذا المشهد تقييماً دقيقاً للمخاطر والفوائد والخسائر المحتملة لكل مسار والذي يقيمها قادة "حزب الله".

رغم غياب الخيارات المثالية، قد ينظر الحزب إلى استمرار الانخراط في الصراع على أنه استراتيجية طويلة المدى أقل تدميراً من نزع السلاح الكامل. والأهم من ذلك، أنه لم يُعرض أي بديل أو إطار دبلوماسي قابل للتطبيق للتفاوض على شروط الوثيقة الإسرائيلية - الأميركية المكونة من ست صفحات فولسكاب.

لذا، فإن رفض "حزب الله" القاطع للمقترح يُشير إلى قرار متعمد وحازم بمواجهة النتائج - مهما كانت مؤلمة - بدلاً من قبول شروط يراها استسلاماً.

في الوقت نفسه، قد تفقد "إسرائيل" رغبتها في مواجهة طويلة الأمد تُجبر مواطنيها على العودة إلى الملاجئ. وتُشكل ترسانة "حزب الله"، التي مازالت تضم، بحسب التقارير، عشرات الآلاف من الصواريخ، رادعاً قوياً. وفي مواجهة هذا الواقع، وعزم الحزب الواضح على خوض ما قد يصبح حرباً نهائية، قد تُخفف "إسرائيل" - من خلال وساطة أميركية - من مطالبها في نهاية المطاف لتجنب صراع أوسع. ويظل هذا احتمالاً استراتيجياً جديراً بالاهتمام ولكن غير مضمون في ظل قيادة حكومة إسرائيلية متطرفة ومتعطشة للحرب.

ولم يُقدم الأميركيون الاقتراح المكتوب لطلب رأي لبنان بل استجابةً لاحتياجات "إسرائيل" وأمنها، لتلقي الموافقة أو الرفض، مما يضع "حزب الله" في موقف حرج، حيث يكون الخيار الحتمي هو الرد غير الإيجابي، مما قد يؤدي إلى اعادة النظر بالورقة - وهذا مستبعد لمَنْ يعتبر نفسه منتصراً - أو الذهاب إلى حرب يبدو أن لا بد منها.

أما الخطر الأكثر إلحاحاً، فقد يبدأ بحملة جوية "إسرائيلية" عنيفة مع أوامر بالإخلاء لتهجير أكبر عدد من المدنيين تحت ذرائع وجود مستودعات أسلحة للتفاوض تحت النار.

وتستطيع تل أبيب بالفعل تكثيف غاراتها الجوية فوق لبنان لاختبار ردّ "حزب الله". واستناداً إلى السلوك العسكري السابق، من المرجح أن تستهدف الموجة الأولى مراكز القيادة ومستودعات الذخيرة ومرافق الطائرات المسيّرة، إلى جانب البنى التحتية ذات الاستخدام المزدوج في مناطق رئيسية مثل الضاحية الجنوبية والبقاع والجنوب.

وقد لا تهدف هذه الضربات إلى تدمير الحزب تماماً - وهو هدف تعلم "إسرائيل" أنه بعيد المنال - بل إلى تقويض قوته الرادعة، وإجباره على الرد، وإلحاق أضرار جسيمة بقاعدته على غرار ما فعلته بسكان غزة، والضغط على الحكومة اللبنانية للانقلاب عليه محلياً.

ومع ذلك، تعتقد المصادر أن التكلفة البشرية والمادية مدمرة. ولن يؤدي هذا الدمار الواسع النطاق إلى تهجير عشرات الآلاف فحسب، بل سيقوض أيضاً قدرة الصمود المدني، ويثقل كاهل الخدمات الإنسانية، ويعمق الصدمة الوطنية التي لم يتعافَ منها لبنان بعد منذ حرب عام 2024.

غزو بري!

وأشارت "الراي الكويتية" إلى أنه لا يمكن استبعاد غزو بري متزامن أو لاحق لان المبادرة بيد إسرائيل. وقد يرى جيش الاحتلال أن الهجوم المصمم لدفع "حزب الله" بعيداً عن الحدود يستحق المخاطرة، خصوصاً بعد سحب الحزب لسلاحه - بموجب قرار مجلس الأمن رقم 1701، الذي تواصل "إسرائيل" انتهاكه وأقرت أميركا بأنه اصبح من الماضي ولم يعد قائماً - من مناطق جنوب نهر الليطاني. إلا أنه لم فعل الشيء عينه مع آلاف المقاتلين الذين يعيشون في جنوب لبنان ولن يقفوا مكتوفي الايدي.

داخل لبنان، يواجه "حزب الله" أيضاً عزلة سياسية متزايدة. بعض حلفائه التاريخيين ينسحبون، بل إن بعضهم يدعو إلى نزع سلاحه. إذا اندلعت الحرب وعانى الحزب ومجتمعه بشدة من دون أي مكاسب ضد "إسرائيل" أو رد فعل، فقد ترتفع انتقادات داخلية ضد قرار جدوى وجود الحزب وقد تكون هذه كلمة النهاية.

وسيرحّب جزء كبير من اللبنانيين بفتح الأبواب لأميركا والانضمام إلى مشروع السلام الاقليمي خصوصاً أن الخاسر يصبح دائماً يتيماً. ولذلك فإن خيار "حزب الله" الواضح هو الذهاب نحو الحرب.

موقع إيران الإقليمي

يتردد صدى هذا الرفض أيضاً عبر رقعة الشطرنج الإقليمية. إذ إن إضعاف «حزب الله» ضربة ليس فقط لهيكل المقاومة، ولكن أيضاً لموقع إيران الإقليمي. فإبعاد «حزب الله» عن المعادلة سيكون إنجازاً هائلاً لواشنطن وتل أبيب. وستعزل طهران وتقطع صلتها بالمقاومة ويتراجع نفوذها الاقليمي إلى غير رجعة خصوصاً بعد خروج سورية والعراق من معادلة المقاومة.

ومن دون الحزب، يفقد محور المقاومة أقوى مكوناته العسكرية. وستشجع هذه العزلة المزيد من محاولات تغيير النظام في إيران، وهذه المرة من موقع أكثر أماناً.

وقد يُمثل القضاء على "حزب الله" بداية النهاية لسيادة لبنان كما نعرفها. ففي غياب قوة مقاومة فاعلة، قد يفقد جنوب لبنان جزءاً من أراضيه لإسرائيل، أو في أفضل الأحوال، يتحول إلى منطقة عازلة خاضعة لسيطرة حلف شمال الأطلسي (الناتو) أو الأمم المتحدة. وستكتسب الجهات العسكرية والاستخبارية الأجنبية نفوذاً غير مسبوق، بينما تصبح مؤسسات الدولة اللبنانية أكثر خضوعاً للهيئات الاستخبارية والمالية الدولية.

أما بالنسبة إلى البيئة الحاضنة، سيؤدي ذلك إلى تهميشها على نطاق لم نشهده منذ ما قبل الحرب الأهلية، وتالياً قد تفرض الصعوبات الاقتصادية، والتهميش السياسي، واقعاً جديداً لم يعرفه اللبنانيون بالمستوى المقبل.

إعادة ترسيم الحدود

أما على الجبهة السورية، قد تتجه الأمور نحو اتجاه مختلف تماماً. فالعمليات الإسرائيلية تكثفت أخيراً، لكن الصراع المفتوح مع «حزب الله» قد يدفع دمشق إلى التحرك، في ظل همسات في الأوساط الدبلوماسية الإقليمية حول إعادة ترسيم الحدود - لاسيما في منطقتي عكار وطرابلس في الشمال - لإعادة دمجهما في سورية وتقليص لبنان إلى حدود ما قبل الاستعمار لإعادة تشكيل جذرية لجغرافيته وهويته.

ومع ذلك، قد تكون لمثل هذه الخطوة عواقب وخيمة على وحدة لبنان واستقراره وقابليته للاستمرار كدولة ذات سيادة على المدى الطويل. وهذا ما وعد به رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، بتغيير خريطة الشرق الاوسط بدعم أميركي لا محدود.

من منظور استراتيجي، تنظر الولايات المتحدة و"إسرائيل" إلى حزب الله في الوضع الحالي على أنه ضعيف، ولبنان كقطعة جاهزة للاستيلاء عليها. لكن هذا التصور قد يكون تبسيطاً خطيراً. فرغم أن المقاومة لم تصمد أمام عواصف مماثلة من قبل، إلا أنها قد ترد بطرق تقلب التوقعات وتغير موازين القوى في شكل غير متوقع. وقد تذهب لقلب الطاولة على الجميع.

في النهاية، إن رفض الحزب، للمقترح الأميركي - "الاسرائيلي" هو الشرارة - وليس النتيجة. وسواء أعقبت هذا القرار الحرب أو الانهيار السياسي أو إعادة ترتيب الأوضاع الإقليمية، فإن لبنان على وشك التحول. وقد يحاول محور المقاومة التصدي والصمود، لكن ثمن الصمود قد يكون أعلى من أي وقت مضى.

المنشورات ذات الصلة